Wednesday 11 February 2009

دور المقاومة الشعبية فى حربى 1956و1973فى مدن القناة

الفصل الاول


دور المقاومة الشعبية فى مواجهة العدوان الثلاثى


الجزء الاول اسباب العدوان والتخطيط له
الجزء الثانى احداث المعركة وبطولة الجيش والشعب.


اسباب العدوان الثلاثى:
كان الزعيم جمال عبد الناصر يريد تنفيذ مشروع السد العالى لما له من فائدة كبيرة لمصر.وطلب تمويل البنك الدولى ولكن رفض.
فكان التفكير فى مصدر التمويل.فكانت فكرة تاميم قناة السويس وكانت حلم فى ذلك الوقت.
لم يكن قرار سحب أمريكا لعرضها فى المساهمة فى تمويل مشروع السد العالى مثار مفجأة كبيرة للدوائر السياسية ، بقدر ما أثارته الطريقة والملابسات التى تم بها هذا القرار والأسلوب الذى اتبعته لإبلاغه لمصر فقد كانت هذه صفعة لوجه مصر لم يقبلها جمال عبدالناصر ، وادلى عبدالناصر أكثر من مرة، بأن كيفية الطريقة المهينة لكرامة مصر التى أخبر بها عن سحب التمويل وليس سحب العرض فى حد ذاته قد عجلت بخطوة التأميم، فقد كان تأميم شركة قناة السويس يلح على تفكير جمال عبد الناصر منذ بدأ تفكيره فى الثورة وكان التأميم عبد الناصر ردا على محاولات تقييد يديه فى اختيار الصالح لمصر وشعبها ويرجع لمصر حقوقها المنهوبة على طول السنين لحوالى قرن كامل


مشروع السد العالى وبداية النهاية

كان مشروع السد العالى وقتها بالنسبة لمصر يعتبر أهم وأكبر مشاريعها الضرورية واعتبرته ثورة 23 يوليو فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية لتحقيق الرخاء بعد توفير مياه لفيضان التى تلقى دون التمكن من استعمال كافتها فى البحر الأبيض، وبذلك يمكن زيادة الرقعة الزراعية المحدودة بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع الوطنى وتطوير البلد من وطن زراعى إلى بلد صناعي وامت الثورة فى السنين الأولى بتكليف الخبراء الالمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنيها عن محاولة التوصل الى اتفاق وذلك حفظا لمصالح الشعب المستقبلة ، فقد كان ذلك أول مشروع بعيد المدى فى مصر


تطورات تمويل قروض مشروع بناء السد العالى

فاتجهت مصر إلى الولايات المتحدة وانجلترا والبنك الدولى وأقر المشروع خبراء البنك الدولى فى سنة 1955 ، فتقدمت كل من إنجلترا وأمريكا فى خريف 1955 بعروض جزئية للمشاركة فى تمويل قروض مشروع بناء السد العالى تبلغ فى جملتها 130 مليون دولار وأشترط لهذه المعونة موافقة البنك الدولى على تقديم قرضه لمصر البالغ 200 مليون دولار


سافر الدكتور عبد المنعم القيسونى وزير المالية فى نوفمبر 1955 إلى واشنطن ليبدأ المفاوضة مع رئيس البنك الدولى يوجين بلاك ومع ممثلى الحكومة الامريكية والبريطانية من أجل المساهمة فى تمويل المشروع وواصلت مصر مفاوضاتها مع البنك الدولى مما ادى فى النهاية إلى أن يعلن البنك الدولى يوم 17 ديسمبر 1955 إلى أنه سيقوم بتمويل مشروع بناء السد العلى مشتركا مع إنجلترا وأمريكا، وأن البنك سيقوم بدفع نصف العملات الصعبة بينما تقوم حكومتا لندن وواشنطن بدفع النصف الآخر

كانت عملية تمويل قروض مشروع بناء السد العالى كلها مشروطة منذ البداية ، فقد صاحب أعلان البنك الدولى مذكرة الغرب - بريطانيا والولايات المتحدة ألأمريكية - وبها شروط مجحفة تتناول السيادة الوطنية على مصر كأساس لتنفيذ المشروع:


شروط تنفيذ المشروع

• أن تتعهد مصر بعدم إبرام أى اتفاقات مالية او الحصول على أى قروض دون موافقة البنك الدولى

• أحقية البنك الدولى فى مراجعة ميزانية مصر

• مراجعة ميزانية مصر حتى لا يحدث تضخم

• أن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالى فقط وتخصيص ثلث دخلها لمدة عشر سنوات لهذا الغرض

• استبعاد الكتلة الشرقية كلية من المشروع وان تجرى عقود الإنشاء على أساس المنافسة

وكان الهدف من كل هذه المحاورات فى الحقيقة، هو إبعاد الروس عن المنطقة، وخاصة بعدما لوحظ أن عبد الناصر يحاول الآن الحصول على السلاح الذى يحتاجه من الروس أو الكتلة الشرقية لكى يتمكن جيش مصر وقواتها المسلحة من الدفاع عن مصر وتطوير القوات المسلحة المصرية، وفى نفس الوقت الحصول على التمويل اللازم لبناء السد العإلى من الغرب وأمريكا


رفضت مصر شروط التمويل لمساسها بسيادتها

كان من الطبيعى أن ترفض مصر هذه الشروط لأنها تؤدى إلى سيطرة الغرب على إقتصاد مصر، ثم تنتهى بالتإلى بالإطاحة باستقلالها كما حدث لمصر فى عهد الخديو إسماعيل نتيجة لحفر وبناء قناة السويس، وهذا يعنى أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى وهو وضع ترفضه الثورة

ورغم ذلك الرفض لم تتخلى مصر عن هدفها فى ضرورة بناء السد الهالى لحتميته لأقتصاد


• أدى رفض مصر الى وصول يعلن "يوجين بلاك" مدير البنك الدولى الى القاهرة يوم 19 يونيو 1956 ، وأجرى محادثات مع المسؤلين

• المح "يوجين بلاك" من طرف خفى خلال المحادثات بإحتمال سحب أمريكا عرضها اذا لم تسارع مص قبل أول يوليو بالموافقة علىالشروط الموضوعة

• وأمكن بعد ذلك التمكن من التوصل الى اتفاق مبدئى مع البنك الدولى يوم 12 يوليو

• تقدمت مصر بمقترحاتها الى واشنطن وكان مفهوما انها مقبولة ولا ينقصها الا التوقيع


منطق عروض صفقات مقابل تخلى مصر عن أهدافها

ولم تتوقف محاولات اكتساب عبدالناصر والضغط عليه للتخلى عن مشاريعه واتجاهاته القومية والذى رفض عبد الناصر الأستجابة لها والتوقيع عليها عندما حملها معه مبعوث خاص من الرئيس الأمريكى فأهلت .سنة 1956 ".. والولايات المتحدة تجرب وسائلها واحدة بعد الأخرى وبالتفكير الأمريكى ، فقد كنت منطق الصفقات هو أول ما عرض نفسه على سياسة الولايات المتحدة، وكان اساس هذه الصفقات هو مشروع السد العالى الذى تحول بالفعل الى رمز للمستقبل فى مصر

• وكانت الصفقة الأولى تقديم عرض بمساعدة مصر فى بناء السد العالى وبمنطق أن تكاليف بناء السد العالى تفرض على مصر تخصيص مواردها له – لهإذا كان يتحتم غليها أن توقف صفقات شراء السلاح من الأتحاد السوفييتى – فى مقابل البدء فى بناء السد العالى

• والصفقة الثانية – ومنطقها متصل بالصفقة الأولى- هى شروط أكثر سخاء فى بناء السد العالى فى مقابل الصلح مع اسرائيل ، بمفهوم أن من يقصدون البناء يتحتم عليهم نبذ الحرب. ووصلت الولايات المتحدة فى هذه الصفقة الى حد انها قدمت مشروعا مكتوبا "لعقد" صفقاتها حمله مستر روبرت اندرسون وزير الخزانة الأمريكى ومبعوث خاص من الرئيس الأمريكى " دوايت ايزنهاور" (69)


سحب أمريكا لعرضها مؤامرة وصفعة لوجه مصر

تعمد جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة، بأن يستدعى السفير المصرى فى واشنطن أحمد حسين الى مكتبه وابلغه بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت الى قرار بأن غقتصاد مصر لا يستطيع أن يتحمل أعباء بناء السد العالى ، ومن ثم قررت حكومة واشنطن سحب عرضها بتقديم المعونة المالية وسلمه كتابا تعلن فيه الحكومة الأمريكية سحب عرضها وقدره 56 مليون دولار للمشاركة فى تمويل قروض مشروع بناء السد وفى نفس الوقت وزع دلاس على الصحافة نص خطاب الرفض قبل أن يصل رسميا الى الحكومة المصرية

ولم يختلف الوضع فى لندن ، فقد استدعى فى اليوم التالى السير هارولد كاشيا ، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية للسفير المصرى فى بريطانيا وأبلغه أن بريطانيا قد قررت بدورها قررت أن تسحب العرض الذى كانت تقدمه لمصر وقدره حوالى 14 مليون دولار للمشاركة فى لتكملة تمويل قروض مشروع بناء السد العالى

ولم ينقضى اليوم قبل أن يعلن "يوجين بلاك" مدير البنك الدولى بأن البنك الدولى لا يستطيع أن يقرض مصر مبلغ المائتى مليون دولار لتمويل مشروع بناء السد العالى كما وعد مصر قبل اسبوع ، وذلك بسبب القرارين الأنجلو-أمريكى

بهذا ايقنت مصر أن البنك الدولى يخضع للدول الغربية وظهر لمصر أن سحب أمريكا لعرضها هو بداية مؤامرة سياسية محكمة الأطراف، معاقبة من أمريكا لمصر بعد فشل الولايات المتحدة أنحاء مصر عن شراء السلاح من الكتلة الشرقية وبذلك كسر إحتكار الغرب لتوريد السلاح للمنطقة
وبعد تاميم قناة السويس ثارت ثائرة بريطانيا على مصر لما ترى من ان قناة السويس من حقها .
واشتركت معها فرنسا لما فعله ناصر من مساعدة الثورة الجزائرية.
واشتركت اسرائيل بسبب مواقف ناصر من القضية الفلسطينية.

كيف دبرت مؤامرة العدوان؟
قصة العدوان:
في إطار تغطيتها الخاصة لذكرى مرور خمسين عاماً على أزمة السويس أو الغزو الثلاثي لمصر ، ركزت صحيفة “ ذي غارديان ” حول هذه القضية على قصة التواطؤ الذي أدى إلى بدء الحرب . بدأت الحكاية في منطقة ويرال مقر الدائرة الانتخابية لوزير الخارجية البريطاني آنذاك سلوين لويد حيث كان الوزير يزورها يوم 21 اكتوبر/ تشرين الأول عام 1956 . ومن هناك استدعاه رئيس الوزراء الراحل انتوني إيدن للحضور إلى مقره الريفي في شيكرز جنوبي انجلترا وذلك للمشاركة في اجتماع سري “ سيرتبط إلى الأبد بكذبة مشؤومة وسيترتب عليها عواقب وخيمة ” . وكانت مهمة لويد تتمحور حول أزمة السويس بعد تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس . وتقول المطبوعة الرصينة إن الأزمة هزت أركان الشرق الأوسط والسياسة البريطانية والعالم بأسره منذ نصف قرن .

في اليوم التالي بعد هذا الاجتماع السري فإن السكرتير الخاص لوزير الخارجية ، واسمه دونالد لوغان ، قام بقيادة سيارة الوزير الذي كان متخفياً إلى منطقة هندون في شمالي لندن ، حيث استقل طائرة تابعة للسلاح الجوي الملكي البريطاني إلى خارج باريس ، وكان الساتر الذي لجأ إليه المسؤولون في وزارة الخارجية للتغطية على هذه الزيارة السرية هو أن لويد قد أصيب بنوبة برد ، ولذلك فإنه اضطر إلى التغيب عن ممارسة أعبائه الرسمية ، ومن هذا المطار الفرنسي توجه الوزير البريطاني إلى فيلا في ضاحية سيفريز حيث التقى مع ممثلين من فرنسا و ”إسرائيل ” لتدبير مؤامرة الهجوم على مصر ، وكان الخطأ الفادح الذي وقع فيه المتآمرون انهم سجلوا كتابة كل تفاصيل المؤامرة .

إيدن رئيس الوزراء المحافظ طلب تدمير كل هذه الأدلة والمستندات ، لكن كانت هناك تسريبات عنها منذ البداية ، وعندما برز الدليل والبرهان بعد 40 عاماً من ذلك اللقاء أصبحت ضاحية سيفريز ترتبط كما يقول أحد المؤرخين “ بأفضل مؤامرة حربية موثقة في التاريخ الحديث ” .

من الجدير بالذكر أن المستر لوغان الذي أصبح في ما بعد السير دونالد لوغان وعمره الآن 88 عاماً ، هو آخر من تبقى على قيد الحياة من هؤلاء الأشخاص الذين حضروا ذلك الاجتماع في تلك الضاحية الفرنسية ، ويعود لوغان بالذاكرة إلى الوراء ليقول إن لويد كان حزيناً وحالته سيئة وغير راضٍ للغاية ، لتكليفه بمثل هذه المهمة الخطرة . ووفقاً لما ذكره السكرتير الخاص السابق للوزير الراحل ، فقد كان معنى ذلك نهاية التحركات الدبلوماسية التي كان يقوم بها منذ 26 يوليو/ تموز عندما أمم الرئيس المصري الراحل قناة السويس .

وكان هذا القرار قد أثار أزمة هددت وقوضت مكانة بريطانيا في الشرق الأوسط كما كان إيدن يقول . وكان رئيس الوزراء المحافظ الراحل يرى أيضاً أن تأميم شركة قناة السويس عرضت للخطر إمدادات النفط الأوروبية ، وكذلك عززت مصالح الاتحاد السوفييتي عندئذ . كذلك كان إيدن كما توضح الصحيفة “ مهووساً ” بالزعيم المصري الراحل ، وكان يقارنه غالباً بموسوليني ديكتاتور إيطاليا الراحل .

وكانت إدارة إيدن المحافظة ترى ان “ الاستيلاء على قناة السويس “ يعتبر بداية لحملة مخطط لها لإنهاء كل النفوذ والمصالح الغربية في الوطن العربي ” .

وقد بعث إيدن برسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت إيزنهاور يقول فيها : “ إن توحد العالم العربي بقيادة مصر وتحت النفوذ الروسي يعتبر خطراً كبيراً ” .

وقال إيدن في هذه الرسالة التي كان قد بعث بها في شهر سبتمبر/ أيلول عام 1956 “ إن الفشل والاخفاق في اتخاذ الاجراءات المناسبة سيؤديان إلى كارثة ” ، ولكن الرئيس الأمريكي كان يصر على ضرورة التوصل إلى حل سلمي .

وتشير الصحيفة في هذا الملف الساخن عن أسرار هذه المؤامرة ، إلى أنه مع حلول منتصف شهر اكتوبر عام 1956 أصبحت الحرب أمراً لا مفر منه ، وذلك نتيجة للتحالف الوثيق بين الفرنسيين و ” الإسرائيليين ” الذين كانوا يصرون على ضرورة شن حرب “ وقائية ” ضد مصر بعد غارات على الحدود المصرية “ الإسرائيلية ” في الأشهر التي سبقت ذلك .

وكان رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي آنذاك جي موليه يعرب عن “ تصميمه الذي يتسم باليأس ” لوقف مصر وإغامها على التخلي عن تأييد الثورة في الجزائر ، وتعطي هذه التفاصيل الانطباع بأن فرنسا و ”إسرائيل ” قامتا بالزج بإيدن في المؤامرة . كما أن رئيس الوزراء البريطاني نفسه كان غاضباً من تصرفات ناصر ، ويريد التخلص منه .

وفي الوقت نفسه استمرت الاتصالات “ عن طريق قناة خلفية سرية ” بين باريس وتل أبيب . وكان وزير الدفاع الفرنسي عندئذ موريس بورغيز ماونوري أحد “ أبطال المقاومة ” خلال الحرب العالمية الثانية ، أما وزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو فكان متشككاً للغاية بالنسبة لأي روابط مع “ إسرائيل ” ، حيث كان بينو يخشى أن تمتد الحرب لتشمل الأردن . وكان الفرنسيون على حد قول أحد المؤرخين “ الإسرائيليين ” ، وهو آفي شلايم ، يعتبرون بمثابة “ صانع الزيجات ” أي الخاطبة التي توفق بين العروسين .

وكان إيدن قد اتخذ قراره يوم 14 اكتوبر/ تشرين الأول من عام 1956 خلال اجتماع سري مع مبعوثين فرنسيين تم حذف اسميهما من دفتر الزيارات الخاص الموجود في شيكرز المقر الريفي لرئيس الوزراء .

وأبلغ إيدن سكرتيره الخاص جاي ميلارد بألا يدون أي محضر عن هذا اللقاء السري . وأصدر إيدن أوامره إلى سكرتيره : “ لن تكون هناك حاجة إلى مثل هذا المحضر يا جاي ” .



في الفيلا الفرنسية

وبعد ذلك بثمانية أيام عندما وصل سلوين لويد إلى فيلا في شارع عمانويل جبروت ، وهو منزل آمن كانت تستخدمه المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال النازي لفرنسا ، كانت المحادثات جارية بالفعل بين الطرفين الفرنسي و ”الإسرائيلي ” ، وكان يمثل “ إسرائيل ” رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون الذي كان متشككاً للغاية من البريطانيين .

وكان هناك أيضاً موشي ديان وزير الدفاع الذي كان يدون الخطط العسكرية على “ ظهر علبة سجائر ” . وكان هناك أيضاً أحد المشاركين في الاجتماع الذي لا يزال على قيد الحياة وهو مساعد ديان واسمه موردخاي بار أون . وقال الأخير إن “ سلوين لويد كانت ملامحه توضح إنه كان يرى المسألة برمتها تثير الاشمئزاز العميق ” .

وبطبيعة الحال كان هناك ممثلون عديدون لفرنسا في اللقاء وفي يوم 24 اكتوبر/ تشرين الأول ، وبعد أن زار بينو لندن لمقابلة إيدن ، “ فإن الأطراف المتآمرة وضعت بروتوكولاً تمت كتابته على الآلة الطابعة باللغة الفرنسية في مطبخ هذه الفيلا الفرنسية ” .

وتعهدت “ إسرائيل ” وفقاً لهذا البروتوكول بأن تهاجم مصر ، ومن جانبهما تعهدت بريطانيا وفرنسا بغزو مصر بحجة الفصل بين الطرفين المتقاتلين ، وكذلك لحماية قناة السويس ” ، وكانت هذه الرواية التي تتسم بسعة الخيال تعتبر بمثابة المحور أو القلب لهذه المؤامرة أو التواطؤ . وقد أصبح هذا التواطؤ بمثابة “ رمز شهير لأزمة السويس ” كما تقول “ ذي غارديان ” . وكانت “ إسرائيل ” ستحصل وفقاً للاتفاقية السرية على دعم بحري وجوي ، بينما تهاجم بريطانيا وفرنسا مصر .

وكان من المفترض ان تظل هذه الوثيقة “ سرية للغاية ” . وقد وقع عليها بالأحرف الأولى بالنيابة عن بريطانيا باتريك دين مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية عندئذ . وكان هذا المسؤول قد ذكر ان الجو خلال حفل التوقيع كان “ صحيحاً ولكنه لم يكن ودياً للغاية ” . واحتسى المشاركون في اللقاء الشمبانيا وأخذ الفرنسيون و ”الإسرائيليون ” يتحدثون جانبياً عن التعاون النووي بينهم . وقال مساعد موشي ديان للصحيفة إنه بعد مغادرة المندوبين البريطانيين الذين حضروا الاجتماع ، فإن الفرنسيين و ”الإسرائيليين ” كانوا عبارة عن الأصدقاء الحقيقيين “ بينما كان البريطانيون بمثابة طرف خارجي ” .



تدمير البروتوكول


ولدى عودته إلى لندن أصدر إيدن أوامره بتدمير هذا البروتوكول ، وقام سكرتير الحكومة نوران بروك بإحراق النسخة البريطانية منه ، وكذلك تم إحراق بقية المستندات الخاصة التي يمكن أن تدين بريطانيا ، وذلك داخل مدفأة “ عشرة داونيننج ستريت ” . وأصدر إيدن أوامره إلى الدبلوماسيين البريطانيين الذين شاركوا في الاجتماع بأن يعودوا إلى باريس في اليوم التالي لإقناع الفرنسيين بأن يقوموا أيضاً بإحراق كل الوثائق الخاصة بهذا الاتفاق . ولكن بعد انتظارهم ساعات في غرفة استقبال في وزارة الخارجية الفرنسية أخفق الممثلون البريطانيون في إقناع وزير الخارجية الفرنسي بالتخلص من هذه الوثائق حرقاً .

ويقول السير دونالد لوغان : “ لقد عنفنا بينو ولم يستمع إلى طلبنا ، وكان “ الإسرائيليون ” قد عادوا إلى تل أبيب ومعهم النسخ الخاصة من البروتوكول ” .

“ وبذلك أصبح سر إيدن غير آمناً على الاطلاق ” ، ومن اللحظة الأولى التي بدأت فيها الحرب بعد الهجوم “ الإسرائيلي ” على صحراء سيناء وفقاً للموعد المقرر له يوم 29 اكتوبر/ تشرين الأول ، 1956 فإن الكثيرين افترضوا ان كل هذه العملية كانت مدبرة مسبقاً ، وبدأت قصص وروايات التواطؤ بين فرنسا وبريطانيا و ”إسرائيل ” تنتشر على نطاق واسع .



غضب إيزنهاور


وبعد ذلك ذكر عضو في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ان الأمريكيين حصلوا على أدلة تثبت هذا التواطؤ وذلك وفقاً لبرقية بعثت بها السفارة البريطانية في واشنطن إلى سلوبن لويد . وقالت البرقية “ إن هذا الأمر يتطلب عملاً عاجلاً لإقناع الإدارة الأمريكية بأنه لم يكن هناك تواطؤ أو مؤامرة ” .

ولكن كانت هناك بالفعل مؤامرة ، كما تؤكد الصحيفة ، وكان إيزنهاور الذي استشاط غضباً يعرف ذلك أيضاً ، وأبلغ الرئيس الأمريكي وزير خارجيته جون فوستر دالاس إنه “ ليس هناك أي مبرر لهذا الخداع الذي تعرضنا له ” .

ولكن حكومة إيدن تمسكت بنفي وجود أي مؤامرة ، ووجهت اسئلة إلى وزير الخارجية البريطاني في البرلمان عما إذا كانت هناك مؤامرة أو تواطؤ ، وكان رد سلوين لويد “ لم يكن هناك اتفاق مسبق بيننا حول هذا الأمر ” . وكان لويد يكذب . وفي يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول كان إيدن قاطعاً على نحو أكبر حيث أبلغ البرلمان “ إنه لم يكن هناك لنا علم مسبق بأن “ إسرائيل ” ستهاجم مصر ، ولم نعلم بذلك ” . وكانت هذه هي آخر مرة تحدث فيها أمام مجلس العموم ، فقد أصابه المرض وأصبح شبحاً تطارده أكاذيبه ومؤامرة الغزو الثلاثي .

ولكن مساعد ديان ، وهو بار أون ، احتفظ بمحضر مفصل للقاء سيفريز ، وظل هذا المحضر سرياً وفي طي الكتمان لمدة 35 عاماً ، مراعاة لوضع بريطانيا وإيدن .

“ ولكن “ إسرائيل ” وبن غوريون بالذات لم يكن لديهم أسباب للمحافظة على سرية هذه الوثائق ” وفقاً لما يقوله مساعد ديان .

بل إنه يوضح “ لقد كان من مصلحتنا ان يعرف العالم أننا لم نكن وحدنا في شن هذا العدوان ” ، وفقاً لكلامه حرفياً .

أما لوغان الموظف العمومي الذي يلتزم باللوائح ، فقد التزم الصمت . وقال للصحيفة : “ إنني لم أكن أرغب في أن أكون الشخص الذي يفشي الأسرار ، ويكشف عما قام به إيدن أو سلوين لويد ” .

ولكنه حصل في ما بعد على نسخة من البروتوكول من “ إسرائيل ” وأودعها في “ الأرشيف القومي ” في منطقة كيو غربي لندن ، الذي يتم فيه حفظ كل الوثائق الحكومية .

ويوضح البروفيسور “ الإسرائيلي ” شلايم ان المؤامرة كانت سجلاً وبرهاناً على “ انتهازية الفرنسيين وخداع إيدن وكذلك الخوف القهري البارانوبا “ الإسرائيلية ” ” .

ولا يزال لقاء سيفريز يثير عبر السنين جواً من الإثارة والفضول . وكان الموظفون العموميون البريطانيون مثل دين يشعرون بالغضب والقلق ، وعندما قام لويد بنشر مذكراته ومن بينها رواتبه حول مؤامرة السويس في عام 1978 فإن دين شعر بهذا الغضب ، أما كيث كايل “ عميد المؤرخين عن حرب السويس ” كما تقول الصحيفة ، فإن النتائج الرئيسية بالنسبة له هي أن المشكلة لم تكن تتمثل في أن “ اجتماع سيفريز كان سرياً ، فقد كان هذا اسلوباً مقبولاً دبلوماسياً ، وكذلك فإن المشكلة لم تكن هي التواطؤ مع “ إسرائيل ” ، حيث كانت “ إسرائيل ” لها شعبية كبيرة بين دوائر عديدة في بريطانيا ، وبصفة خاصة لدى المعارضة السياسية الرسمية (يقصد حزب العمال) ” ، وعلاوة على هذا فإن الأزمة لم تكن بسبب فشل هذه السياسة التي ارتبطت بهذا اللقاء السري ، والكلام لا يزال لشيخ المؤرخين .

ويضيف الرجل قائلاً : “ إن المشكلة كانت مزدوجة ، فقد كان اشتراك بريطانيا في الغزو وهو بمثابة العنصر الجوهري في شن هذه الحرب العدوانية ، وكذلك فإن الأمر كان بمثابة مصدر كبير لسوء التفسير لدى الرأي العام حول الأوامر التي صدرت للقوات المسلحة البريطانية ” في إطار هذه المؤامرة.


الجزء الثانى :احداث المعركة وبطولات الجيش والشعب.


منذ أن احتل الانجليز مصر عام 1882 دارت رحى معارك الجهاد السياسي والعسكري والفدائي من أجل تحقيق الجلاء عن أرض مصر ، وانتهت تلك المعارك بمباحثات ثنائية بين مصر وإنجلترا من أجل جلاء القوات البريطانية المرابطة في منطقة القناة والتي بدأت في 27 يوليو عام 1954 وقعها من الجانب المصري الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعن الجانب البريطاني اللورد ستانسجيت واعتمد بصفة نهائية في 19 أكتوبر 1954 بحيث يتم الجلاء علي مراحل . كما تم الاتفاق عما يتبع حيال القاعدة البريطانية في القناة .

وقد تمت المرحلة الأولي من الجلاء في 18 فبراير عام 1955 . والمرحلة الثانية في 16 يونيو عام 1955 والثالثة في 25 مارس 1956 وفي يوم 18 يونيو عام 1956 تم جلاء آخر جندي بريطاني عن أرض مصر ورفع العلم المصري لأول مرة علي مبني البحرية البريطانية النيفي هاوس في ذلك الوقت ببورسعيد وقد بلغ مجموع القوات البريطانية التي غادرت القناة بقيادة الجنرال [ هل ] سبعين ألف جندي وضابط بريطاني .

بعد أن حقق أمل الجلاء اتجهت أنظار أبناء مصر إلي الشركة العالمية لقناة السويس البحرية أحد صروح الظلم والسيطرة داخل مصر والتي كانت تمثل دولة داخل دولة والتي كانت ترفع شعار أن مصر للقناة وليست القناة لمصر ، وفي يوم الخميس 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس بناء علي القانون رقم 185 لسنة 1956 ، وقد تسلمت الإدارة المصرية العمل في القناة تحت اسم هيئة قناة السويس المصرية فقامت إنجلترا وفرنسا بتقديم إنذارا لمصر بتجميد الأرصدة والأموال المصرية في إنجلترا وفرنسا ورفضت مصر هذا الإنذار كما اقترحتا عقد مؤتمر في لندن بشأن تدويل القناة فرفضت مصر اقتراحهما وبناء علي ذلك عملت إنجلترا وفرنسا علي إعاقة العمل في القناة فقامت الدول الاستعمارية بسحب مرشديها ، وهنا ظهرت الوطنية المصرية فحل المرشدون المصريون محل المرشدين المنسحبين وقاموا بأداء واجبهم خير قيام مما أذهل العالم كله علي الرغم من مرور عدد كبير من سفن الغرب عبر القناة لإضعاف كفاءة المرشدين المصريين الذين واصلوا العمل بالليل والنهار واستمرت القناة مفتوحة للملاحة العالمية ولم تتوقف لحظة واحدة .

وقامت إنجلترا وفرنسا بتجميد أموال مصر وأرصدتها المودعة في بنوكها والتي تقدر بحوالي 112 مليون جنية إسترليني وتوالت التهديدات والحرب النفسية علي مصر وقيام مشروع جمعية المنتفعين وتم عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حيث انتهى باقتراح لعقد مؤتمر في جنيف لبحث الوضع بين مصر والدول المهتمة بالملاحة في قناة السويس تحدد انعقاده يوم 29 أكتوبر عام 1956 .

أتفق ساسة دول العدوان الثلاثي [ أنتوني إيدن ووزير خارجيته سلودين لويد – جي موليه ووزير خارجيته كريستيان بينو- بن جوريون ووزير خارجيته جولدا مائير على المؤامرة على مصر وليكن تنفيذها اعتباراً من 29 أكتوبر لتكون خطواتها كالآتى :

1- تبدأ بهجوم الجيش الإسرائيلي على مصر من جهة الشرق من خلال صحراء سيناء التي تمثل منطقة واسعة خالية من المقاومة ويتقدم هذا الجيش نحو القناة بسرعة هائلة .

2- تضطر مصر إلى مجابهة هذا الهجوم بدفع جيشها عبر صحراء سيناء.

3- تقوم كل من إنجلترا وفرنسا بإنذار الدولتين المتحاربتين ويحتل جيشهما مدن القناة من بورسعيد إلي السويس في مدة أقصاها 7 نوفمبر بحجة حماية القناة من العدوان الإسرائيلي.

4- بذلك يكون الجيش المصري قد حوصر في صحراء سيناء فيتم تدميره بالكامل وتصبح مصر بلا كيان.

أسباب أختيار هذا التاريخ في تنفيذ المؤامرة

اختيار زعماء المؤامرة هذا الموعد لانشغال الدولتين العظمتين بالآتي :

1- بالنسبة لأمريكا كانت انتخابات الرئاسة الأمريكية على أشدها ولا يستطيع ايزنهاور أن يضحى بأصوات خمسة ملايين يهودي أمريكي.

2- بالنسبة لروسيا قامت ثورة المجر وانشغلت روسيا بقمعها.

لجأت كل من إنجلترا وفرنسا إلى مؤامرة دنيئة قامت استخدام إسرائيل كمخلب قط ، حيث قام الجيش الإسرائيلي بشن هجوم على الكونتلا على حدود سيناء الجنوبية كما توغلت قوات إسرائيلية في صحراء سيناء عن طريق القسيمة ورأس النقب وكانت خطة إسرائيل تهدف إلى التقدم رأسا إلى الإسماعيلية بعد احتلال أبو عجيلة ، وفى مساء هذا اليوم وجهت كل من إنجلترا وفرنسا إنذارا ساذجا تطلبان فيه انسحاب القوات المصرية إلى مسافة عشرة أميال من غرب قناة السويس وإلا تقبل مصر احتلال أراضيها بالقوة وحددت مهلة نهايتها الساعة السادسة والنصف من صباح يوم 31 أكتوبر عام 1956 للرد عليه ، إلا أن مصر رفضت هذا الإنذار في حينه

بدأت الخطة المصرية بهجوم جوى على قوات إسرائيل المتقدمة حيث فشل الهجوم الإسرائيلي ثلاث مرات ودفعت مصر بقوات هائلة لعبور القناة لتتجمع في بير روض سالم وسط صحراء سيناء.

أغارت الطائرات البريطانية والفرنسية على المدن المصرية " القاهرة والإسكندرية ومدن القناة " وركزت الضرب على الأهداف المدنية والعسكرية فأصيبت المستشفيات والمدارس ودور العبادة .

وفى هذا اليوم قطعت مصر علاقتها مع إنجلترا وفرنسا ، وأعلن الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر التعبئة العامة وعين نفسه حاكما عسكريا عاما على البلاد .



الخميس الأول من نوفمبر عام 1956



صدرت الأوامر لسفينة التدريب الحربية دمياط بالتوجه إلى شرم الشيخ فتصدت لها بعض من قطع الأسطول البريطاني وطلبت منها الاستسلام بعد محاصرتها فرفضت الاستسلام وفتحت القطع البحرية البريطانية نيران مدافعها عليها فأخذت تقاوم برئاسة قائدها الصاغ محمد شاكر حسن إلى أن غرقت في مياه خليج العقبة وأبى قائدها التسليم وقدم حياته فداء لمصر وثمنا لكرامتها.
وفى ظهر هذا اليوم غادر محطة سكة حديد بورسعيد آخر قطار كذلك أوقف المرور من طريق الشاطئ المتجهة لدمياط وأصبح المنفذ الوحيد لمدينة بورسعيد عبر بحيرة المنزلة ، وكثفت إنجلترا وفرنسا غاراتها الجوية على القاهرة والإسكندرية وعلى قواتنا التي تعبر القناة كما قامت بضرب السفينة عكا أثناء عبورها القناة وأدى غرقها إلى إيقاف الملاحة في القناة ، وأعلنت في هذا اليوم الحراسة على أموال الرعاية البريطانيين والفرنسيين والأستراليين وقد بلغت تلك المؤسسات نحو 1500 مؤسسة تشمل كافة نواحي الحياة الاقتصادية ومرافق الخدمات في مصر.

وفي هذا اليوم عين المحافظ الأستاذ محمد رياض حاكما عسكريا على مدينة بورسعيد . وبانتهاء هذا اليوم كان الجيش المصري قد نفذ أوامر قادته بالانسحاب من صحراء سيناء وخرج سليما من الكمين المعد له ، وقد لاحق الطيران البريطاني والفرنسي القوات المنسحبة بعد أن أحبطت مؤامراته وعادت إلى القناة فقامت تلك الطائرات بتحطيم كوبري الفردان لمنعها من العبور إلى الضفة الغربية وهنا ظهر دور سلاح المهندسين المصري الذي نجح في جعل تلك القوات تعبر القناة بسلام.

الجمعة الثاني من نوفمبر عام 1956

أصدرت الأمم المتحدة قرارها بوقف إطلاق النار فوافقت عليه مصر ولم توافق عليه فرنسا وإنجلترا _ إلا يوم 6 نوفمبر _ وقامت السلطات المصرية بتوزيع الأسلحة على أبناء بورسعيد وأفراد المقاومة الشعبية استعدادا لكافة احتمالات الهجوم على المدينة حيث تم توزيع 50 ألف بندقية وكثفت الطائرات البريطانية غاراتها على المدن المصرية وضربت الأهداف المدنية في أبى زعبل وعين شمس وأبو حماد ، وفي هذا اليوم ألقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خطابه التاريخي بالجامع الأزهر حيث ألهب فيه الشعور " سنقابل – سنقاتل "

السبت الثالث من نوفمبر عام 1956

صدرت أوامر بإغراق خمس سفن عند مدخل القناة لإغلاقها منعا لتكرار احتلال مصر عن طريق القناة كما حدث أيام عرابي باشا عام 1882 وقد حاولت بعض القطع البحرية إنزال قوات كوماندوز بحرية بالسويس توطئة لوصولها لبورسعيد إلا أن زوارق الطوربيد المصرية تصدت لها وأغرقت ثلاث قطع بحرية منها مما أدى إلى انسحاب باقي القطع إلى قاعدتها في عدن ، وفي ذلك الوقت ضربن الطائرات المغيرة طابية السلام انتقاما من إصابة مدافعها لبعض الطائرات المغيرة ثم نقلت القيادة المصرية مدفعيتها لموقع آخر على الشاطئ أمام مبنى محافظة القناة

الأحد الرابع من نوفمبر عام 1956

اقترب الطراد الفرنسي " جان بارت " من المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض المتوسط فتصدت له زوارق الطوربيد المصرية بقيادة الصاغ البحرى جلال دسوقى والملازم بحرى جول جمال الذي أطلق على الطراد طوربيدا أصابه إصابة مباشرة شطرته نصفين فغرق بمن فيه ولولا أن الطائرات الفرنسية التي تحرس الطراد تصدت لزورق الطوربيد المصري وأغرقته واستشهد البطلان ... كما أغارت الطائرات البريطانية والفرنسية على كوبري الفردان الواقع على القناة فدمرته ... كذلك أغارت على بورفؤاد وأحدثت خسائر فادحة في مبانيها.



واجه الشعب والجيش عام 1956 القوات المعتدية طبقا لما جاء بالكتاب الأبيض التى أصدرته الحكومة البريطانية :
قوات بريطانية برية تضم اللواء السادس عشر مظلات واللواء الثالث من الفدائيين البحريين " الكوماندوز البحريين " الفرقة الثالثة والفرقة العاشرة والفرقة الثانية التي كانت في ألمانيا وكتيبتي دبابات سينتورين .
قوات فرنسية برية تضم الفرقة العاشرة والفرقة السابعة السريعة الميكانيكية والفرقة الخامسة المدرعة والفرقة الرابعة مشاة وجميعها سحبت من الجزائر ولواء مظلات ولواء فدائيين بحريين وكتيبتي دبابات وأطقم قتال خاصة " عربات مدرعة مركب عليها هاونات ثقيلة "
قوات جوية بريطانية تقدر بخمسمائة طائرة من الطائرات المقاتلة ومن ناقلات جنود ... قوات فرنسية تقدر بمائتي طائرة .

أما الأسطول البريطاني فكان يتكون من 5 حاملات طائرات و5 طرادات وأثنى عشر مدمرة وإحدى عشر سفن حاملات جنود ودبابات وسبع غواصات و14 كاسحة ألغام و 11 سفينة إنزال جنود ودبابات ، يضاف إلى تلك القوات البحرية التي شاركت في الجنوب في الهجوم على السويس وهى ثلاث مدمرات وبارجة وحاملة طائرات وبعض السفن المساعدة.

أما الأسطول الفرنسي فكان يتكون من ثلاث حاملات طائرات وبارجة واحدة وطرادين وأربع مدمرات ثمان فرقاطات وثلاث غواصات وزوارق إنزال .

وقد قدرت القوات المشتركة التي هجمت على شاطئ بورسعيد صباح يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر عام 1956 بحوالي 50 ألف جندي بريطاني وفرنسي من أقدم المحاربين وألف طائرة نفاثة ومئات القطع البحرية .

توزيع القوات المصرية في بورسعيد

منطقة الجميل : بها سريتان الأولى من الكتيبة 291 مشاة والثانية من كتيبة الحرس الوطني.
منطقة الجبانة : سريتان من الكتيبة الرابعة مشاة.
منطقة المناخ : بطارية مدافع صاروخية .
منطقة الشاطئ : سرية من الكتيبة 291 مشاة ، ثلاث سرايا من الكتيبة الرابعة.
منطقة الرسوة : مشاة من وحدة احتياطي.
منطقة شركة القناة : سرية من الكتيبة 291 مشاة .
منطقة بورفؤاد : سريتان من الكتيبة 275 مشاة .
وكان قائد منطقة بورسعيد العسكرية اللواء سعدى نجيب



الاثنين الخامس من نوفمبر عام 1956

أغارت الطائرات البريطانية القادمة من القاعدة البريطانية في قبرص والطائرات الفرنسية من فوق حاملات الطائرات الفرنسية على مدينة بورسعيد مستخدمة قنابل النابالم وركزت ضربها على المدينة في منطقة الجميل والجبانة والرسوة وببوفؤاد تمهيدا لاسقاط مظليين بتلك المناطق ولكن المقاومة الشعبية المدعمة من القوات المسلحة قاومت ببسالة منقطعة النظير .. ففي السابعة صباحا تم اسقاط كتيبة قوامها 250 ضابطا وجنديا بمنطقة الجميل أبيدت بالكامل بعد أن استخدم الأهإلى السلاح الأبيض .. وبدأ الأهإلى يتيقنون ضراوة الأيام القادمة من المعركة فقاموا بتهجير النساء والشيوخ والأطفال إلى دمياط والمطرية عبر بحيرة المنزلة بواسطة اللنشات والمراكب الشراعية فاكتظت محطة اللنش التى كانت موجودة بشارع الأمين بكثير منهم .. وأغارت أسراب الطائرات على تلك المنطقة فغرق كثير من النساء والشيوخ . وقد عاودت القوات المغيرة التحليق فوق سماء بورسعيد وقامت باسقاط مظلات وهمية تحمل دمى قماش لاكتشاف مناطق تمركز القوات المدافعة عن المنطقة وبعد أكتشاف مواقع تلك القوات المدافعة عن المدينة ضربتها ضربا شديدا فاستشهد عدد كبير من الأهإلى وبعد ذلك تم اسقاط الكتيبة الثالثة مظلات البريطانية التى أطلق عليها الشياطين الحمر والتى هبطت على دفعتين .. الأولى في الساعة الحادية عشر والدفعة الثانية في تمام الساعة الثانية والنصف وذلك في منطقتى الجميل والجبانة وقدرت بنحو 1200 ضابط وجندى وفي نفس الوقت اسقطت كتبية مظلات فرنسية قوامها 600 ضابط وجندى بقيادة النقيب فورمينيه على منطقة الرسوة فأحتلت وابور المياه .. بعد أن تصدت لها القوات المتمركزة بقيادة الملازم أول احتياط محمد أبو عاشور .. كما أسقطت قوات مظلية فرنسية أخرى قوامها 400 ضابط وجندى على مدينة بورفؤاد التى كانت شبه خاليه الا من القوات المدافعة وابيدت اعداد كبيرة منها كبدت القوات الفرنسية خسائر فادحة لدرجة ان القائد الفرنسى هدد بنسف مدينة بورفؤاد بالكامل اذ لم تكف قوات المقاومة عن التصدى لقواته ، أما في منطقة الجميل فقد اسقطت قوات مظلية قوامها 350 ضابط وجندى ابيدت بالكامل ، وقد باتت المدينة بدون ماء وكعرباء نظرا لضرب وابور النور واحتلال وابور المياه .. وفي منتصف السادسة مساء شب حريق كبير في المناخ حيث كانت مخازن الأخشاب .. كذا اشتعلت النيران في الكبائن الخشبية المملوكة للأهإلى كذا مبنى محافظة القناة وضربت الطائرات مستودعات البترول بالرسوة فاشتعلت النيران من كل جهات المدينة ... وفي هذا اليوم وجهت روسيا انذارها إلى كل من إنجلترا وفرنسا وهددت بأنها ستضربهما بالصواريخ الموجهة ان لم يوقفا عدوانهما على مصر.

عند مطلع الفجر بدأ السلاح الجوي البريطاني والفرنسي في قصف المدينة بطريقة مركزة وبعدها قام الأسطول بقصف المدينة ، فتم تدمير حي المناخ بالكامل وأحرقت ودمرت منازل حي العرب علي امتداد شوارع توفيق وعبادي وعباس فشبت الحرائق وانهارت المباني علي سكانها واختلطت جثث الشهداء بأنقاض المباني – وكان أكبر الشهداء سناً الحاج / حسن مصطفي القاضي الذي استشهد في ذلك اليوم بشارع توفيق أثر تهدم منزله عليه وفي تمام الساعة الحادية عشر صباحاً بدأ إنزال القطع البرمائية لاحتلال الشاطئ حاملة رجال الكوماندوز البحريين وقد ظهر علي معدات تلك الحملة الحرف H نسبة إلي كلمة Hussars أي الفرسان وبعد ذلك تبعتها البعابع المحملة بالدبابات وذلك تحت ستار سحب الدخان السوداء الكثيفة المتراكمة علي الشاطئ حيث استغل العدو ذلك الدخان في انزال كتيبة من القوات البحرية الانجليزية وأورطة دبابات ولم يمكن صد هذا الهجوم الهائل بسبب تدمير بطاريات المدفعية الساحلية كما اقترب الاسطولان البريطاني والفرنسي من رصيف دي ليسبس وانزلت البعابع الدبابات السنتريون الضخمة والمصفحات إلي المدينة من جهة حي الافرنج عند رصيف الميناء من نقطتين الأولي عند الكازينو بالاس والثانية عند تقاطع شارع السلطان حسين ومحمد محمود وعند النقطة الثانية تخفي رجال المقاومة في زي رجال الإسعاف وأمطروهم بوابل من الرصاص وقام الانجليز باحتلال جميع عمارات طرح البحر بعد طرد سكانها كما استولوا علي المدارس والفنادق داخل المدينة وقد شوهد اشتراك قطع حلف الاطلنطي في ذلك الهجوم البحري وقد تقدمت قوات المظلات التي هبطت في مطار الجميل علي الساحل والتقت القوتان تتقدمهما الدبابات ورفعت علي أبراجها العلمين المصري والروسي لخديعة الشعب البورسعيدي فالتف حولها المواطنين مهللين وفجأة أطلقت مدافع هذه الدبابات النار عليهم ثم احتلت بعضها الشوارع والميادين بينما اتجه البعض الأخر إلي كبري الرسوة وتبع ذلك قوات العدو من المشاه التي أخذت تتقدم نحو شارع محمد علي وكانت ينتظرها فوق أشجار حديقة الباشا أفراد المجموعة الثانية للفدائيين فقامت بفتح نيرانها فقضت تماما علي تلك القوات المتقدمة .. ثم إنتقل أفراد تلك المجموعة إلي شارع عبادي ، فجاءات قوات مشاه بريطانية أخري وقامت بإطلاق نيرانها علي اشجار حديقة الباشا ظنا منها بوجود أفراد المقاومة الشعبية أو جنود مصريين أعلي تلك الأشجار وتحول القتال إلي شارع عبادي حيث دارت معارك بين الفدائيين والقوات المعتدية ظهرت فيها بطولات نادرة لأبناء هذا الشارع حيث استشهد الشقيقين يسري ووجدي بخيت أسفل بواكي هذا الشارع وامتد عدوان تلك القوات الغزية إلي الشيوخ والأطفال والنساء الذين تهدمت منازلهم ولجأوا للجامع العباسي فاقتحموا الجامع وقتلوا الكثير بحثاً عن الفدائيين وقد ترتب علي القصف الجوي تدمير المنازل وتشريد ما يزيد عن خمسة ألاف أسرة بلا مآوي .

الاربعاء السابع من نوفمبرعام 1956

علي الرغم من قرار وقف اطلاق النار إلا أن القوات البريطانية والفرنسية طوقت مدينة بورسعيد فحاصرت الدبابات المناطق الأهلة بالمدنيين وبدأت في ضربها .. وتصدي العدو لرجال البوليس وجمع منهم السلاح .. مما جعل قوات المقاومة الشعبية تنظم صفوفها برئاسة الصاغ مصطفي كمال الصياد وذلك داخل عشر مجموعات وكان اليوزباشي/ محمد سامي خضير يقود المجموعة الثامنة ببسالة لمقاومة العدوان .. وقد أديرت عمليات المقاومة الشعبية من حجرة ضابط المباحث بالدور العلوي لبوليس العرب .. كما قامت القوات البريطانية بجمع أجهزة الراديو من المنازل والمحال حتي لا يسمع الأهالي نشرات الأخبار .. خلت المدينة من الطعام اللهم إلا من البطاطس والأرز المخزون في جمرك بورسعيد حيث تم توزيعها علي الأهالي وفي هذا اليوم قامت قيادة المقاومة بطبع أول منشور بعنوان سنقاتل / سنقاتل في مطبعة محمد شاكر مخلوف وقد تخصص في كتابة تلك المنشورات أحمد عبد اللطيف بدر وأحمد قوره وحلمي الساعي والعصفوري والدسوقي ومختار وذلك تحت مجموعتين أطلق عليهم [ الهتاشاما ] وامتد طبع المنشورات إلي مطبعة السيد المغربي وكانت هناك منشورات باللغة الانجليزية والفرنسية توزع داخل معسكراتهم بمعرفة الفدائيين أو أفراد منطقة [ أيوكا ] القبرصية من العاملين معهم .

بدأ كمال الصياد قائد المقاومة الشعبية بالاستعداد للأيام القادمة كيف ينقل الأسلحة والذخائر والمعدات إلي داخل المدينة والحصار الشديد طوق المدينة من جميع جهاتها فهداه تفكيره إلي بحيرة المنزلة المترامية الأطراف من الحد الغربي للمدينة واتجهت أنظاره إلي صيادي الأسماك المنتشرين في جميع جهاتها لكن أيهم يتحمل هذا العبء وتلك الأمانة الوطنية التي تحتاج إلي دقة وحذق ومهارة اأن فشل تنفيذها أو إكتشاف سرها سيمنع من وصول الذخائر والأسلحة والفدائيين لبورسعيد .. جميع الصيادين كان الحماس يملأهم والوطنية في دمائهم الكل يرغب في التضحية والفداء من أجل مصر .. وإنتهي الرأي علي اختيار الريس محمد زكي عبد المنعم وأشقائه للقيام بتلك المهمة وقد لعبوا دوراً هاماً وكبيراً في الأيام التي تلت ذلك في مد الفدائيين وقوات المقاومة الشعبية بالأسلحة والذخائر التي يخفونها أسفل الأسماك التي يصيدونها من بحيرة المنزلة وفي منتصف الليل أصدرت الأمم المتحدة نداء للقوات المعتدية بوقف القتال فوراً وعدم التقدم عن الأماكن المحتلة .. فوافقت القيادة البريطانية والفرنسية ببورسعيد علي قرار الأمم المتحدة السابق صدوره في الثاني من نوفمبر 1956 وتم وقف إطلاق النار إلا أن القوات المعتدية لم تلتزم بهذا القرار وكما سيأتي ذكره من خلال أيام المعركة التالية .

الخميس الثامن من نوفمبر عام 1956

نظمت قوات المقاومة الشعبية صفوفها فقامت بطبع المنشورات وتوزيعها وكانت تحث علي مقاومة العدو والجهاد في سبيل الوطن .

ونجح المحافظ والحاكم العسكري للمدينة الأستاذ محمد رياض في بث روح المقاومة السلبية بين صفوف أبناء الشعب البورسعيدي فأغلقت المحال أبوابها في وجه الأعداء ورفضت التعامل مع تلك القوات كما نجح في بث تلك الروح بين العمال الذين رفضوا العمل والتعاون مع الأعداء علي الرغم من المحاولات الكثيرة ووسائل الترغيب وكان يعاون المحافظ في ذلك العمل ضباط المباحث وعلي رأسهم محمود عبد الحي صلاح ومنير الألفي .. ولم ينس المهندس محمد توفيق الديب [ مدير البلدية ] يوم أن حضر له الميجور كلاين والميجور بولدرنج من سلاح المهندسين ثم احاطوا به محاولين إرهابه باتهامه بتحريض العمال علي عدم التعاون معهم .

وقامت القوات المعتدية بالشوشرة علي الإذاعة المصرية حيث كانت القوات المصرية تشغل جهازا وضعته في حديقة فيلا طيرة التي احتلت بطرح البحر للشوشرة كما بثت ارسال اذاعة موجهة من جزيرة قبرص تذيع الأكاذيب والسموم ضد مصر وكفاح الشعب البورسعيدي تحت أسم [ صوت مصر الحرة ]ولما لمست القوات المعتدية عدم استجابة الأهالي لسماع تلك السموم قامت بجمع أكثر من 5000 راديو من الأهالي وقامت بتحطيمها لعدم ربط بورسعيد بالعالم الخارجي فأضيفت مهمة جديدة لرجال المقاومة هو نقل أخبار مصر لداخل بورسعيد .. كما قام الفدائيون بالقاء الرعب في قلوب القوات المعتدية فقاموا بخطف أسلحتهم فصدرت لهم الاوامر بالسير في جماعات وعدم السير فرادي كما صدرت لهم الأوامر بربط أسلحتهم بأجسامهم ولم يمنع ذلك من نشاط الفدائيين بل أصبحت الدوريات صيدا ثميناً لهم .. وفي هذا اليوم استمر العدو في ضرب المنازل التي يشك في إختباء الفدائيين فيها وقاموا بالإعتداء علي رجال الشرطة المصريين وقاموا بتجريدهم من اسلحتهم وبدأو في القبض علي المواطنين واستجوابهم لمعرفة أماكن الفدائيين .

الجمعة التاسع من نوفمبر عام 1956

وسط زحام البطولات التي قام بها أبناء بورسعيد نختار قصة بطولة الشهيد السيد عبد الله إبراهيم الذي انضم لصفوف الفدائيين وكلف مع بعض زملائه بالدفاع عن نقطة تقاطع شارعي محمد علي والتجاري أمام كنيسة الأقباط وكانت قافلة من الدبابات البريطانية من طراز سنتريون متجه للرسوة فتقدم هذا البطل تجاه أول دبابة وكانت مفتوحة من أعلاها ويطل منها قائدها فقام بإلقاء قنبلتين يدويتين عليها فانفجرتا داخل الدبابة فقتل طاقمها وعندما شاهدته الدبابة التي تتبعها أطلقت عليه نيران مدفعها البرن ولم تكتف بذلك بل تقدمت من جثمانه الطاهر وسارت عليه ومزقته .

السبت العاشر من نوفمبر عام 1956

ورد بالإذاعات العالمية أن [ أنتوني إيدن ] رئيس الوزراء البريطاني قد أصيب بحالة نفسية سيئة أثر فشل الحملة الأنجلو فرنسية علي بورسعيد حيث أنتقل إلي جزيرة [ جاميكا ] علي البحر الكاريبي للإستشفاء طالباً الهدوء تاركاً مهمة وزارته إلي [ بتلر ] حامل أختام الملكة وظل بها إلي أن قدم استقالة وزارته في التاسع من يناير عام 1957 .

وفي الساعة العاشرة صباحاً قامت القوات المعتدية بإلقاء منشورات مليئة بالأكاذيب من الجو بطائرات هيلوكوبتر حيث بدأ الأهالي يتجولون في الشوارع بعد أن أمر الأستاذ محمد رياض محافظ بورسعيد بفتح بعض المخابز لإطعام الأهالي .

الأحد الحادي عشر من نوفمبر عام 1956

نظم الأهالي جنازة صامته بعد صلاة العصر من الجامع التوفيقي اشترك فيها جمع الشعب البورسعيدي بكافة طوائفه وشيوخه وشبابه وذلك سخطاً علي تصرفات المعتدي الغاشم وقد طافت تلك الجنازة شوارع المدينة وعيون وأسلحة جنود الأعداء موجهة لأفراد تلك الجنازة وقد ضرب العدو حصاراً شديداً حول المدينة حتي يمنع تسلل الفدائيين إليها .

الثلاثاء الثالث عشر من نوفمبر عام 1956

تدفق الفدائيون علي مدينة بورسعيد عبر بحيرة المنزلة وقد عم الفرح أهالي المدينة لسماعهم نبأ تدفق الفدائيين وكانوا تحت قيادة اللواء عبد الفتاح أبو الفضل والصاغ سمير محمد غانم والصاغ يحيي القاضي وسعد عفره [ مخابرات حربية ] وكانت عبارة عن خمس مجموعات تلاحمت مع المجموعات العشر للمقاومة الشعبية ببورسعيد .

الاربعاء الحادي والعشرون من نوفمبر عام 1956

وصلت قوات الطوارئ الدولية لمدينة بورسعيد بقيادة الجنرال بيرنز لمراقبة تنفيذ قرار الأمم المتحدة لحفظ السلام في تلك المنطقة والفصل بين القوات المعتدية والقوات المصرية في جنوب بورسعيد وملراقبة انسحاب القوات المعتدية وقد وصلت القوات في قطار خاص من مطار أبو صوير وقد عسكرت قيادة تلك القوات في ميدان المحافظة .

فخرج الأهالي في شكل مظاهرة شعبية ضخمة للتعبير عن شعورهم بإنتصار بورسعيد وقهر قوي البغي والعدوان .وفي هذا اليوم فتحت الأقسام أبوابها لصرف الأعانات المالية العاجلة للأهالي .

الخميس الثاني والعشرون من نوفمبر عام 1956

نظمت المدينة مظاهرة علي هيئة جنازة صامته علي روح الشهيدين حسن سليمان حمودة ورمضان السيد فأصدرت القيادة البريطانية أمراً بحذر التجمع لأكثر من 16 شخص .. كما ظهر في المدينة في شوارعها الرئيسية عدة دمي معلقة من رقابها تمثل قادة الحملة البربرية [ إيدن – موليه – بن جوريون ] .

الجمعة الثالث والعشرين من نوفمبر عام 1956

احتلت دبابات ومصفحات وسيارات العدو شوارع المدينة وتمركزت قواته حول شكاير الرمل بنواصي الشوارع خوفاً من أي تصرف مضاد للفدائيين . أخذت أقسام البوليس الثلاثة في الاستمرار في توزيع الإعانات المالية علي أفراد الشعب والمنكوبين .

السبت الأول من ديسمبر عام 1956

وصلت لبورسيعد سيدات الهلال الاحمر من القاهرة بقطار نقل الجرحي لزيادة المصابين بمستشفيات بورسعيد وجئن بتبرعات قدرت بآلاف الجنيهات وبدأت المؤن ترد بورسعيد عن طريق بحيرة المنزلة في المراكب الشراعية علي هيئة تبرعات من أهالي المناطق المجاورة .. كما وصلت القوات الهندية وانضمت الي قوات الطوارئ الدولية اليوغوسلافية .

الثلاثاء الرابع مع ديسمبر عام 1956

أعلن سكرتير عام الأمم المتحدة داج همرشلد قبول إنجلترا وفرنسا الانسحاب من بورسعيد دون قيد أو شرط ووصول قوات طوارئ دولية من عدة جنسيات لتضطلع بمهمة المراقبة في المنطقة الحرام بين القوات المصرية والبريطانية.

الأربعاء الخامس من ديسمبر عام 1956

بلغ إجمالي القوات المعتدية المنسحبة تنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتحدة 11 ألف جندي .. وكانت اول القوات المنسحبة كتيبة West Kent البريطانية . وتم القبض علي خمسة من كبار تجار المدينة رفضوا فتح محالهم للأعداء وعذبوهم وهدد استكويل بأن ذلك سيكون مصير من يرفض التعامل مع قواته .

السبت الثامن من ديسمبر عام 1956

نظم الأهالي بعد الصلاة مظاهرة صامته خرجت من جامع الرحمة وإنضم اليها جموع المصلين بالجامع العباسي والتوفيقي وانتهت عند الجبانة .. وقد ضمت ثلاثة آلاف متظاهر من أبناء بورسعيد رجالاً ونساءاً من كافة الأعمار وحملوا الأعلام منكسة حزنا علي شهداء المعارك .

الاحد التاسع من ديسمبر عام 1956

ترحيل الرعايا البريطانيين والفرنسيين حيث قاموا بتحزيم منقولاتهم ووضعوها أسف منازلهم وقامت بنقلها عربات النقل البريطانية إلي ظهر السفن الحربية .. لقد خاف هؤلاء الرعايا في البقاء في بورسعيد لثبوت اشتراك بعضهم في اطلاق النار علي كثير من الشهداء أيام 5، 6 نوفمبر .

وفي هذا اليوم أصدرت قوات المقاومة الشعبية العدد الأول من مجلة الانتصار .

الأثنين العاشر من ديسمبر عام 1956

أمر المحافظ محمد رياض بسحب النقدية الموجودة ببنك مصر لتوزيعها علي الأهالي للإنفاق .

الثلاثاء الحادي عشر من ديسمبر عام 1956

تربص الفدائيون للضابط الإنجليزي [ أنتوني مورهاوس ] إبن عمة ملكة إنجلترا – الذي إتصف بكراهيته الشديدة للمصريين لذلك قرر رجال المقاومة الشعبية اختطافه واعتباره صيداً ثميناً يرسل إلي القاهرة كأسير يمكن مبادلته بمن قبض عليهم من الفدائيين وقام الفدائيون برصد طريق مروره اليومي وعهد لأفراد المجموعه الرابعة بتنفيذ تلك الملحمة البطولية فكمن ستة منهم في شارع رمسيس وهم أحمد هلال وحسين عثمان ومحمد حمد الله وعلي حسن زنجير ومحمد ابراهيم سليمان وطاهر مسعد أثنان للمراقبة والأربعة الأخرون جلسوا داخل سيارة سوداء برقم 57 قنال ودربوا أحد الأطفال علي ركوب دراجة لاستدراج مورهاوس للفخ المعد له وفي الساعة السابعة صباحاً نزل مورهاوس من سيارته ليتفقد أحد خنادق جنوده عند تقاطع شارعي صفية زغلول ورمسيس أسفل منزل الدكتور حسن جودة طبيب الأسنان .. وإذ بالطفل يظهر أمامه ويكيل له السباب ويفر مسرعاً عبر شارع رمسيس فيركب مورهاوس سيارته الجيب دون أن يأخذ حرسه وتتبع الطفل للإمساك به .. وحسب الخطة الموضوعة وصل الطفل إلي رصيف المبني الذي كانت تشغله المباحث الجنائية وتظاهر الطفل بالسقوط من دراجته علي الرصيف فنزل مورهاوس ممسكاً مسدسه يحاول الأمساك بالطفل .

وكانت السيارة السوادء قد تبعتهما ونزل منها أحد الفدائيين وأمسك بمورهاوس وع زميل أخر كان في إنتظاره حملاه داخل السيارة واتجهوا به يميناً بشارع النهضة وانطلقوا مسرعين بعد أن كممه وقيدوا يديه ورجليه وقد تقرر نقله إلي لأحد المنازل بنهاية شارع تةفيق _ عرابي حالياً – خلف مدرسة الصناعات الزخرفية حالياً وأثناء سيرهم بشارع النهضة قابلتهم دورية انجليزية فأضطرت السيارة السوداء للدخول إلي ثكنات بلوكات النظام من الباب الخلفي حيث الجراج الفسيح ولمحاولة الخروج بمورهاوس أحضروا صندوقاً حديدياً كبيراً من قلم المرور المجاور ووضعوا مورهاوس بداخله ونقل بسيارة بوليس علي أنه مهمات أحد الضباط ووصلوا به إلي منزل الدكتور أحمد هلالي تمهيداً لإرساله للقاهرة .. فخرجت الدوريات الانجليزية في البحث عن مورهاوس دون جدوي وبعد ثلاثة أيام ونظراً للحصار المضروب علي المنطقة الذي منع من دخول الفدائيين لمخبأ مورهاوس .. تم فتح الصندوق فوجد مورهاوس مختنقاً فتم دفنه أسفل سلم المنزل حتي لا تنتج عنه رائحة كريهة وحتي لا يتمكن الانجليز من التعرف علي مكانه خصوصاً أن مدرسة الصناعات كانت معسكراً لمركبات القوات البريطانية وقد علق السيد اللواء حسن حسني علي سليمان مدير مكتب الحاكم العسكري لمحافظ بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي أنهم عندما خطفوا الضابط البريطاني مورهاوس وصلوا به في نهاية المطاف إلي منزل الدكتور أحمد الهلالي المواجه مباشرة لأحد مراكز قيادات القوات البريطانية وكان من المستبعد أن يخلد لذهن القوات الانجليزية المجاورة أن يخبأ هذا الضابط المختطف في مكان مقابل لهم فاستبعدوا فكرة اخفائه في تلك المنطقة وكانت خدعة ناجحة من قوات الفدائيين المصريين .

الأربعاء الثانى عشر من ديسمبر عام 1956

نفل برينز مقر قيادته إلى بورسعيد بعد أن كان في جنوب بورسعيد وأرسلت القيادة البريطانية له التوسط لدى الفدائيين لمعاملة مورهاوس معاملة الضابط الأسير ... وبدأت تتدفق منشورات أفراد المقاومة على المعسكرات البريطانية وذلك بتوقيع " الهاتاشاما ".

الجمعة الرابع عشر من ديسمبر عام 1956

لم تهدأ المقاومة الشعبية في بورسعيد فألفتت الأنظار إلى الضابط جون ويليامز ضابط المخابرات البريطانى والذى أشتهر منذ عمله في مصر منذ 25 سنة ضمن جيش الأحتلال بالصلف والشدة والبطش ضد المصريين وتعلم خلال فترته الطويلة بمصر اللغة العربية كتابة وقراءة بل أجاد العديد من اللهجات لأهل مصر ودرس عادات المصريين وطباعهم لذلك شغل عديد من المناصب بالمخابرات المصرية حتى وصل مديرا للمخابرات العسكرية للقوات المعتدية عام 1956 فأسندت له عملية تعقب الفدائيين وتعقب أخبارهم والقبض عليهم وتعذيبهم لذلك وضعت قيادة الفدائيين خطة لاغتياله وأسند تنفيذها للشاب السيد عسران الذى لم يتجاوز السابعة عشر من عمره .. وفي نفس مكان خطف مورهاوس وقف السيد عسران في انتظار مرور السيارة المدنية الصغيرة التى يستخدمها ويليامز في تنقلاته السريعة وفي التاسعة صباحا أقبلت السيارة مسرعة في شارع رمسيس وزجاجها مغلق وكان يركب مع ويليامز الكولونيل جرين بالأضافة إلى سائق السيارة .. فتقدم عسران من السيارة ولوح له بورقة على أنها تظلم مكتوبة باللغة الأنجليزية وأمسك بيده الأخرى رغيف تظاهر بأنه يقضمه وكان بداخله قنبلة يدوية قام بنزع صمام الأمان منها وما أن وقفت عربة ويليامز وفتح نافذة السيارة لكى يستمع للتظلم المزعوم فما كان من عسران الا أن القى القنبلة اليدوية داخل السيارة حتى انفجرت القنبلة وأطاحت بقدم ويليامز اليسرى وقتل الكولونيل جرين وأصيب السائق وسقط ويليامز وسط بركة من دماء .

وحضرت لنجدته القوات البريطانية من كل صوب تصاحبها عربات اسعاف نقلته إلى المستشفي في حالة خطيرة ولم يعيش طويلا ومات متأثرا بجراحه لأنه كان مصابا بمرض السكر.

السبت الخامس عشر من ديسمبر عام 1956

خطط الفدائيون لضرب معسكر تجمع الدبابات البريطانية في معسكر الحرس الوطنى الكائن بشارع 23 يوليو أمام المبرة وأسند تنفيذها لضابط رجال الصاعقة حيث قام اليوزباشى سامى خضير بتسجيلهم بدفتر المسجونين بقسم ثالث وهم على سبيل المثال الضابط طاهر الأسمر ومدحت الدرينى ونبيل الوقاد وجلال هريدى .. وأختاروا وقت الغروب حيث فترة حذر التجول وقاموا باطلاق المدافع الصاروخية المضادة للدبابات فأصابوا أربع دبابات سنتريون وعربتين مصفحتين كما أدت العملية لخسائر فادحة في الأرواح وأطلق على هذا اليوم يوم الدبابات. وعادوا سالمين بعد تنفيذ العملية إلى قسم ثالث .

الأثنين السابع عشر من ديسمبر عام 1956

انسخبت القوات البريطانية من داخل المدينة وكانوا يخلونها جزءا جزءا ويقيمون بينهم وبين الجزء أسوار من الأسلاك الشائكة ، وكانوا يختمون كل من يخرج من الجزء المحتل على معصم يده بخاتم ذو تاريخ للتعرف غليه عند العودة في ذلك اليوم

وفي هذا التاريخ أصدر الفدائيين العدد الثانى من مجلة الأنتصار وتم طبعه بمطبعة المرحوم حامد الألفي وكان صاحب فكرة دفن الشهداء في مكان سقوطهم ليقى المدينة من شرور انتشار الأوبئةلعدم كفاية عربات الأسعاف في نقل الجثث، وبعد أن هدأت الحالة تم دفنهم في مدافن الشهداء.

الثلاثاء الثامن عشر من ديسمبر عام 1956

وصلت أفواج من البوليس المصرى وبلوكات النظام على متن قطار ترفرف عليه أعلام مصر استعدادا لأستلام المدينة بعد جلاء القوات المعتدية .

الخميس العشرون من ديسمبر عام 1956

قوات الأمم المتحدة تتسلم مبنى هيئة قناة السويس وانسحب استكويل قائد القوات المعتدية على ظهر باخرة حربية وتم انزال العلم البريطانى من سارى مطار الجميل.

السبت الثانى والعشرون من ديسمبر عام 1956

القوات الفرنسية تقوم بتسليم مدينة بورفؤاد لقوات الطوارىء الدولية في العاشرة صباحا وحدد الانجليز حظر التجول في الشريط الضيق الموجودين فيه بالشمال الشرقى للمدينة لمدة 24 ساعة حتى يتمكنوا من الانسحاب وكانت في انتظارهم احدى القطع البحرية التى تفتح مؤخراتها لدخول القوات المنسحبة وكان في حماية أخرى مكونة من ثلاث بوارج أمام الشاطىء ، كذلك 300 جندى من جنود القناصة فوق اسطح المنازل المطلة على المنطقة الخاصة بالأنسحاب خوفا من بطش الفدائيين . كما انتشرت القوات الدولية وراء الأسلاك الشائكة .
في هذا اليوم عادت جميع القطع البحرية الأنجليزية إلى قاعدتها في قبرص ومالطا ، كذا بالنسبة للاسطول الفرنسى الذى عاد قاعدتها بمرسيليا وتولوز ... وفي الخامسة الا ربع في ذلك اليوم غادرت أخر سفينة بريطانية حاملة جنود فرقة يورك شير وبذلك قد تم جلاء أخر جندى عن أرض مصر بغير رجعة .... وقد أعتبر هذا اليوم عيدا قوميا أطلق عليه " عيد النصر " بعد 48 يوم من غزو فاشل .


الفصل الثانى
دور المقاومة الشعبية فى حرب اكتوبر

كيف حدثت الثغرة؟

تمكنت القوات المصرية المسلحة باقتدار‏,‏ من اقتحام القناة واكتساح خط بارليف وإنشاء رءوس كباري شرق القناة‏,‏ وتحولت للدفاع والتمسك بإصرار بكل ما حققته من نجاح‏,‏ وبعد صدمة المفاجأة‏,‏ أبدت القوات المسلحة والقيادة الاسرائيلية قدرا كبيرا من التماسك‏,‏ وسرعان ما استعادت توازنها بعد أن استوعبت دروس الهزيمة المروعة التي لحقت بها‏,‏ والعار الذي ضربها في مقتل‏,‏ فها هي القوات التي ذاقت طعم الانتصار في ثلاث معارك متتالية تشرب من كأس الهزيمة بكل مرارتها‏,‏ بعد أن سقط عن رأسها تاج القوات التي لا تقهر‏,‏ وبدأت تعمل بكل قواها لإعادة القوات المصرية مرة أخري الي غرب القناة‏,‏ أي تدمير رءوس الكباري واستعادة حصون خط بارليف والوقوف مرة أخري علي الضفة الشرقية للقناة‏,‏ وتكبيد المصريين قدرا هائلا من الخسائر المادية والبشرية وتلقينهم درسا قاسيا يحول بينهم وبين التفكير مرة أخري في العودة الي ميادين القتال‏.‏
وبدأت الهجمات المضادة الاسرائيلية تأخذ شكلا جديدا‏,‏ أي أصبحت أكثر قوة‏,‏ وأكثر إصرارا واندفاعا‏.‏
وصمدت القوات المصرية وتمكنت من صد الهجمات المضادة‏,‏ ودفعت ثمنا‏,‏ ولكن كانت الخسائر البشرية الاسرائيلية أكثر فداحة بالإضافة الي الخسائر في الأسلحة والمعدات‏,‏ وفي الوقت نفسه كانت القيادة الاسرائيلية تناقش خطة الاندفاع شرقا من ثغرة الدفرسوار‏,‏ أي من نقطة الفصل بين الجيشين الثاني والثالث للوصول الي غرب القناة‏!‏
وكان شارون أكثر القادة إلحاحا‏,‏ وثقة بالنجاح‏,‏ واقرت القيادة الاسرائيلية الخطة‏,‏ واسندت الي شارون قيادة قوات هذا الهجوم المضاد الواسع النطاق‏,‏ وكانت مهمة هذه القوات بعد الوصول الي منطقة غرب القناة‏,‏ انشاء رأس كوبري‏,‏ والانتشار علي شكل مروحة باتجاه الشمال والاستيلاء علي الاسماعيلية‏,‏ ثم التقدم باتجاه القنطرة لفرض الحصار علي الجيش الثاني الميداني‏,‏ وباتجاه الجنوب والاستيلاء علي السويس وبورتوفيق والأدبية لفرض الحصار علي الجيش الثالث الميداني‏,‏ وبوجود هذه القوات في ظهر الجيشين‏,‏ تسهل مهمة القوات التي ستضغط من اتجاه الشرق من أجل كسر ارادة القوات المدافعة وضرب معنوياتها في مقتل بالهجوم عليها من الشرق وقصفها من الغرب وإغلاق طريق الانسحاب باتجاه الغرب‏,‏ اذا ما فكرت في ترك مواقعها‏.‏
وعندما وصلت القوات الاسرائيلية غربا تمكنت من تدمير عدد من مواقع صواريخ الدفاع الجوي‏,‏ وبذلك فتحت ثغرة في حائط الصواريخ‏,‏ سمحت للقوات الجوية الاسرائيلية بالعمل ضد القوات المصرية‏.‏
إسرائيل‏..‏ والإسماعيلية
وقد واجهت القوات الاسرائيلية وهي تحاول الوصول الي الاسماعيلية نيرانا هائلة وصمودا واصرارا من أجل الحيلولة دون احتلال الاسماعيلية‏,‏ كانت صورة الموقف واضحة‏,‏ وبالرغم من افتقاد القوات الموجودة بالمنطقة للعناصر المدرعة المؤثرة‏,‏ وللقوات الكافية‏,‏ فإن الاصرار والحماس والعزيمة كانت من أهم عوامل احباط المحاولات الاسرائيلية المحمومة‏..‏ وأخيرا‏,‏ أوقفت القيادة الاسرائيلية الهجوم باتجاه الشمال‏,‏ أمام حجم الخسائر البشع الذي لحق بالقوات المهاجمة‏,‏ واستدارت باتجاه الجنوب للاستيلاء علي السويس متصورة أن خطة حصار الجيش الثالث قابلة للنجاح بثمن أقل من الثمن الذي دفعته وهي في الطريق الي الاسماعيلية‏.‏
وكانت القيادة الاسرائيلية علي بينة من أن الفرقتين المدرعتين‏4‏ و‏21‏ الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة المصرية‏,‏ قد تحركتا شرقا للاشتراك في تطوير الهجوم‏,‏ ولم يبق من الفرقة الرابعة المدرعة سوي لواء مدرع يقوده اللواء عبدالعزيز قابيل قائد الفرقة‏,‏ وان هذا اللواء هو الذي يتحمل المسئولية الرئيسية في الدفاع عن المنطقة الممتدة من وصلة أبوسلطان شمالا حتي طريق السويس ـ القاهرة جنوبا‏,‏ وان الفرقة‏6‏ المشاة الميكانيكية قد تبعثرت منذ بداية المعركة ولم يبق من الفرق المتماسكة سوي الفرقة‏23‏ المشاة الميكانيكية وقوات أخري محدودة‏.‏
في ظل هذه الظروف‏,‏ انتقلت القوات الاسرائيلية وهي تسابق الزمن‏,‏ خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار اعتبارا من يوم‏22‏ أكتوبر‏,‏ من أجل احتلال السويس‏.‏
الوصول إلي مشارف السويس
وسرعان ما وصلت القوات الاسرائيلية الي مشارف المدينة ليلة‏22‏ ـ‏23‏ اكتوبر‏,‏ أي بعد موعد وقف اطلاق النار‏,‏ واحاطت بها من طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي‏,‏ وطريق المعاهدة الذي يصل الي الاسماعيلية وطريق الزيتية والطريق المؤدي الي الجناين‏.‏
وقد تمكنت هذه القوات من الاستيلاء علي ميناء الأدبية‏,‏ واحتلت منطقة مصانع تكرير البترول‏(‏ الزيتية‏)‏ ووصلت طائرة عمودية تقل جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع ودافيد اليعازر رئيس الأركان الي المنطقة المحيطة بالسويس‏,‏ وهبطت في الزيتية‏,‏ وكانت قبل الهبوط قد طافت فوق المنطقة لاستكشاف أوضاع وانتشار القوات المصرية ومدي تقدم القوات الإسرائيلية‏,‏ وبعد أن وطأت أقدام المسئولين الاسرائيليين الكبار أرض منطقة الهبوط بعد تأمينها تماما‏,‏ بدأت كاميرات المصورين تدور وتلتقط الأفلام التليفزيونية وآلاف الصور‏,‏ ودارت عجلة الإعلام الإسرائيلي للاعلان عن سقوط السويس في أيدي القوات الاسرائيلية‏,‏ كان للاعلان جانب من الحقيقة والواقع‏,‏ فهاهم المسئولون الاسرائيليون الكبار يقفون بالزيتية‏,‏ ولكن الزيتية ليست السويس‏,‏ فالسويس كانت خالية تماما من الوجود الاسرائيلي‏.‏
أهداف إسرائيلية
أما سر لهفة اسرائيل علي مثل هذا الاعلان‏,‏ فيرجع إلي قرار وقف اطلاق النار وبدء موعد سريانه‏,‏ فقد ارادت أن توضح للعالم أنها استولت علي المدينة التي تمثل هدفا استراتيجيا‏,‏ كما أنها تعني استكمال حصار وتطويق الجيش الثالث‏,‏ وبما يساعد علي اقامة نوع من التوازن الاستراتيجي الذي افتقدته بعد نجاح الهجوم المصري‏,‏ وبصورة أخري كانت تسعي لتأكيد قدرتها لا علي نجاح هجومها المضاد ووصولها الي غرب القناة‏,‏ وانشاء رأس كوبري‏,‏ بل وعلي حصار جيش ميداني مصري من الجيشين الميدانيين‏,‏ وان في قدرتها تدمير قوات هذا الجيش بعد أن طوقته من الشرق والغرب وقطعت كل طرق الامداد عنه‏.‏
وكانت الرسالة تحمل انها انجزت هذا الهدف دون خرق كبير لقرار وقف إطلاق النار‏,‏ وكان في تصور القيادة الاسرائيلية وهي تعلن عن سقوط السويس‏,‏ ان انجاز هذا الهدف بات قريبا‏,‏ وانه في متناول يد قواتها‏,‏ واذا كان السقوط سيحدث دون أي شك‏,‏ فلماذا لا يتم الاعلان عنه مبكرا لخداع العالم ومجلس الأمن؟
ولكن ما تصورته القيادة الاسرائيلية في متناول اليد‏,‏ لم يكن سوي الثمرة المحرمة‏,‏ وسوف تظل أيام السويس الأربعة المجيدة من أروع فصول معركة اكتوبر‏,‏ خلالها صمدت المدينة‏,‏ وصدت محاولات اقتحامها‏,‏ وعلي مشارف المدينة ومن حولها فقدت اسرائيل‏33‏ دبابة و‏80‏ قتيلا دون أن تتمكن من دخولها‏.‏
وعندما بدأت طلائع قوات العدو تقترب علي طريق المعاهدة في اتجاه المدينة‏,‏ كانت الخطة التي تم وضعها بسيطة وواضحة‏,‏ بساطة الرجال الذين نفذوها‏,‏ منع العدو من دخول المدينة وبأي ثمن‏,‏ وهي نفس الرسالة التي ارسلها السادات للمقاتلين بالمدينة‏,‏ لا استسلام‏,‏ والقتال لآخر رجل‏.‏
وقد شارك الجميع في القتال‏,‏ قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية‏,‏ ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية‏,‏ وقاتل رجال الشرطة بالمدينة‏,‏ أما العبء الأكبر في القتال فقد وقع علي كاهل القوات المسلحة‏,‏ خاصة قوات الفرقة‏19‏ المشاة‏,‏ والتي كانت تؤمن مساحة كبيرة من رأس كوبري الجيش الثالث شرق القناة‏.‏
حصار الجيش الثالث
وكان واضحا أمام قيادة الجيش الثالث والفرقة‏19,‏ أن الهدف هو حصار الجيش واستكمال تطويقه باحتلال السويس التي تعد في ظهر الفرقة‏19,‏ فقرر العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة‏,‏ بمبادرة شخصية منه‏,‏ دفع بعض الوحدات الي غرب القناة‏,‏ واعاد توزيع قواته استعدادا لملاقاة العدو‏,‏ وقامت بعض هذه الوحدات باحتلال الساتر الترابي علي ضفتي القناة واسلحتهم في اتجاه العدو المتقدم باتجاه السويس‏,‏ وتم تلغيم الفتحات الشاطئية في الساتر الترابي‏,‏ كما تم دفع مجموعات استطلاع ليلة‏22‏ ـ‏23‏ اكتوبر الي منطقة معسكر حبيب الله علي الضفة الغربية للقناة لابلاغ قيادة الفرقة بنشاط العدو في المنطقة‏.‏
وقبل الحديث عن محاولات اقتحام السويس‏,‏ سنتوقف أمام نجاح العدو في اقتحام مركز القيادة المتقدم للجيش الثالث الموجود شمال غرب السويس بالدبابات يوم‏23‏ اكتوبر ونجاة كل من قائد الجيش ومساعده ورئيس شعبة العمليات وقائد الفرقة‏6‏ المشاة الميكانيكية بالرغم من الخسائر الجسيمة التي لحقت بالافراد الموجودين‏,‏ إذ مرت الدبابات من جوارهم‏,‏ ولنقل علي مسافة أمتار قليلة منهم دون أن تكتشفهم بسبب الظلام‏.‏
بعدها تقرر الانتقال الي مركز قيادة الجيش الرئيسي الموجود بجبل عويبد‏.‏
محاولة اقتحام السويس
فجر يوم‏23‏ اكتوبر تقدمت فرقتان مدرعتان بقيادة الجنرالين ابراهام أدان وكلمان جنوبا باتجاه السويس في خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم‏338‏ الصادر في‏22‏ اكتوبر لوقف اطلاق النار‏,‏ حيث أحكمت حصار المدينة تمهيدا لاحتلالها بالرغم من صدور قرار مجلس الأمن رقم‏339‏ يوم‏23‏ اكتوبر الذي حدد الساعة السابعة من صباح يوم‏24‏ اكتوبر لوقف اطلاق النار بعد أن تجاهلت اسرائيل القرار رقم‏338.‏
وفي الساعة الثانية والنصف من صباح يوم‏24‏ اكتوبر تلقي الجنرال أدان اتصالا تليفونيا من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية‏,‏ سأله خلاله عما اذا كان في مقدوره احتلال السويس خلال ساعتين ونصف الساعة‏,‏ أي قبل موعد سريان وقف اطلاق النار الثاني‏.‏
وكانت السويس المحاصرة بحرا بعد الاستيلاء علي ميناء الأدبية‏,‏ وبرا بقطع كل الطرق التي تؤدي الي القاهرة أو الاسماعيلية‏,‏ وجوا لعدم وجود حماية من شبكة الدفاع الجوي المصرية تقترب من لحظة المواجهة الحاسمة مع قوات العدو‏.‏
وكان العدو قد حاول الاقتراب من منطقة الشلوفة يوم‏23‏ اكتوبر‏,‏ إلا أن سرية المقذوفات المضادة للدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة‏,‏ والتي سبق أن دفع بها يوسف عفيفي للدفاع عن المدينة‏,‏ تصدت للمحاولة ودمرت للعدو‏9‏ دبابات‏,‏ وعندما نفدت ذخيرتهم‏,‏ أمرهم قائد الفرقة بالتوجه الي السويس صباح يوم‏24‏ اكتوبر عبر كفر أحمد عبده للاشتراك في الدفاع عن المدينة باستخدام قواذف الآر‏.‏بي‏.‏جي حتي يعاد امدادهم بالصواريخ المطلوبة‏.‏
قوات الدفاع الشعبي
وفي الوقت نفسه‏,‏ أرسل قائد الفرقة صباح يوم‏24‏ اكتوبر طاقم اقتناص دبابات مزودا بالآر‏.‏بي‏.‏جي وقنابل يدوية مضادة للدبابات‏.‏
ونشطت قوات الدفاع الشعبي ومنظمة سيناء في اعداد الكمائن علي مداخل المدينة‏,‏ وخطب الشيخ حافظ سلامة في مسجد الشهداء لتحفيز الناس علي القتال والصمود‏,‏ وسهر الجميع ليلة‏23‏ ـ‏24‏ اكتوبر في انتظار المعركة المتوقعة‏,‏ وابتداء من الساعة‏6,30‏ صباح يوم‏24‏ اكتوبر وحتي الساعة‏,9,30‏ هاجمت الطائرات الاسرائيلية المدينة بضراوة‏,‏ وفي الوقت نفسه كانت المدفعية والدبابات الاسرائيلية تقصف المدينة بشكل عشوائي‏,‏ لكي تمتد النيران لكل أنحاء المدينة لاصابتها وأهلها بالفزع وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بها تمهيدا لبدء عملية الاقتحام من محاور التقدم الثلاثة‏,‏ المثلث والجناين والزيتية‏.‏
وفي الساعة العاشرة صباحا‏,‏ نجحت كتيبة دبابات في السيطرة علي منطقة المحافظة دون أي مقاومة وبعدها تقدمت كتيبة مدرعة أخري مدعمة بكتيبة مظلات محملة علي عربات نصف جنزير في ثلاث موجات‏,‏ كل موجة من‏8‏ دبابات للهجوم علي السويس‏,‏ وبعد أن عبرت منطقة المثلث‏,‏ بدأت تجتاز طريق الجيش الي أن وصلت الي ميدان الأربعين‏.‏
إبراهيم سليمان‏..‏ ونقطة التحول
حيث واجه الإسرائيليون المفاجأة التي لم يتوقعوها أو يتحسبوا لها‏,‏ فقد انطلقت نيران الصواريخ الآر‏.‏بي‏.‏جي من رجال المقاومة بمشاركة محمد عواد ومحمد سرحان‏,‏ وطار المقاتل ابراهيم سليمان فرحا وهو يشاهد الدبابة التي أصابها بصاروخ تترنح ويختل توازنها‏,‏ بعدها تمكن بالصاروخ الثاني من اصابة عربة مدرعة اصابة أشعلت بها النيران‏..‏ ويمكن القول إن نيران ابراهيم سليمان كانت نقطة التحول في المعركة‏.‏
وتوقف تقدم مجموعة الدبابات الأولي أمام قسم شرطة الأربعين‏,‏ وبدأت المعركة التي شارك فيها الجميع بكل الأسلحة المتاحة‏,‏ وبدأت أبراج الدبابات في الانفجار وتحولت المنطقة الي قطعة من الجحيم‏,‏ ولجأ الجنود الاسرائيليون الذين تركوا دباباتهم وعرباتهم المدرعة للاحتماء داخل البيوت القريبة وهم في حالة شديدة من الذعر‏,‏ واحتمي بقسم الشرطة نحو‏25‏ اسرائيليا‏,‏ وأمام فشل هجوم الموجة الأولي من الدبابات حاولت الموجتان التاليتان الاستدارة الي الخلف في ارتباك شديد‏,‏ إلا أن قوات المقاومة هاجمتها‏.‏
ونجح الكمين الذي نصبه المقدم حسام عمارة في إجبار الدبابات التي وصلت خلف مسجد سيدي الأربعين علي العودة‏.‏
ومن بين‏24‏ قائد دبابة‏,‏ تم قتل واصابة‏20‏ قائدا منهم‏.‏
أما الدبابات التي كانت بمنطقة المحافظة‏,‏ فقد حاولت خمس منها التقدم باتجاه بورتوفيق‏,‏ وبعد أن اصطدمت الدبابة الأولي بلغم أدي الي قطع جنزيرها‏,‏ آثرت الدبابات الباقية العودة الي المواقع التي انطلقت منها‏.‏وعندما حل الظلام انسحبت القوة بكاملها الي منطقة الزيتية‏.‏
وحاول كثيرون اقتحام قسم الشرطة إلا أن المحاولات الأولي لم تحقق النجاح المطلوب‏,‏ وخلال احدي المحاولات سقط ابراهيم سليمان شهيدا بنيران قناص اسرائيلي‏,‏ شاهده وهو يتسلق السور الخلفي‏,‏ كما سقط أشرف عبدالدايم وفايز امين شهيدين وهما يحاولان اقتحام قسم الاربعين من المدخل الأمامي‏,‏ واشتبك المقاتلون المدنيون مع‏5‏ جنود اسرائيليين كانوا فوق سطح عمارة مجاورة للقسم باستخدام الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء والأيدي‏,‏ وفي النهاية تمكنوا من الفتك بهم‏.‏
تطهير قسم الأربعين
ووفقا لنصيحة الجنرال جونين‏,‏ قررت القوة الاسرائيلية الانسحاب من قسم الاربعين ليلا‏,‏ إلا أن رجال المقاومة بكل اطيافهم تمكنوا من فرض كلمتهم‏,‏ وطهروا القسم ممن احتموا به وأداروا معركتهم من داخله‏.‏
وبانتهاء عملية الاقتحام الاسرائيلية للمدينة‏,‏ كان واضحا أمام القادة الاسرائيليين انهم وقعوا في خطأ فادح كلفهم‏80‏ قتيلا‏.‏ وخلال ساعات المعركة الطويلة‏,‏ دمر الاسرائيليون بعض الكباري المقامة علي قناة السويس‏,‏ ولكن سرعان ما تم الاستعاضة عنها بالمعديات والناقلات البرمائية‏.‏
وصباح يوم‏25‏ اكتوبر‏,‏ أنذر قائد اسرائيلي المدينة بالاستسلام خلال نصف ساعة‏,‏ وإلا تعرض سكانها للابادة بالقصف الجوي‏,‏ وكان الرد‏,‏ لا استسلام‏,‏ ووصلت إشارة لاسلكية من الرئيس السادات نصها‏..‏ السويس‏..‏ لا تسليم‏..‏ القتال حتي آخر رجل‏..‏ الله معكم‏,‏ وبعد انذار الاستسلام‏,‏ اتصل رئيس مكتب المخابرات الحربية بمدير التليفونات لتعطيل الخطوط المتصلة بالزيتية حتي لا يستطيع العدو اجراء اتصالات تليفونية أخري‏.‏
ولأن رئيس مكتب المخابرات الحربية‏,‏ كان يشارك في قيادة المقاتلين‏,‏ خاصة رجال منظمة سيناء‏,‏ ويمثل حلقة اتصال رئيسية بالاطراف المختلفة‏,‏ لذا حمل معه أوراقه وغادر مقره ليستقر في مقر قيادة جديد بمستشفي السويس وارتدي الملابس المدنية‏,‏ ووضع جبيرة حول ذراعه اليسري ثم تمت احاطتها بالجبس‏,‏ ورفعها برباط متصل بالعنق‏.‏
المناوشات
وبعد المعركة الرئيسية‏,‏ بدأت مراحل من المناوشات ولكن لم تحاول القوات الاسرائيلية اعادة الاستيلاء علي السويس‏.‏
وفي الوقت نفسه‏,‏ واصل المقاتلون الهجوم علي مواقع العدو ودباباته وعرباته المدرعة‏,‏ واستثمر قائد الفرقة‏19‏ الموقف لإعادة تنظيم دفاعات المدينة‏,‏ كما أعاد العميد عادل اسلام القائد العسكري للسويس نشر قواته بعد أن قسمها الي مجموعات‏,‏ لكل مجموعة قائد ومنطقة عمل ومسئوليات محددة‏,‏ ونقل مقره من غرفة عمليات المحافظة الي مسجد الشهداء‏,‏ وفي الساعة التاسعة من صباح يوم‏25‏ اكتوبر‏,‏ اتصل سعد الهاكع المدير بشركة السويس لتصنيع البترول بالزيتية بغرفة الدفاع المدني‏,‏ حيث أبلغهم بأن الدبابات الاسرائيلية قد وصلت الي مقر الشركة‏,‏ وطوال معركة السويس استمرت الفرقة الرابعة المدرعة أو ما تبقي منها في العمل علي احتواء قوات العدو غرب القناة ومنعها من التوسع في اتجاهي الجنوب والغرب‏,‏ وبنهاية يوم‏24‏ اكتوبر احتلت الفرقة النطاق الدفاعي الثاني من جبل حميرة الي جبل الجربة بهدف التمسك به ومنع العدو من الاختراق غربا باتجاه القاهرة‏,‏ مع تأمين مدخل وادي حجول ومطار القطامية والمنطقة الخلفية للجيش الثالث ضد محاولات الإبرار الجوي‏.‏
وواصل العدو قصف قوات الفرقتين السابعة التاسعة عشرة شرق القناة جوا طوال اليوم‏,‏ وبالتحديد من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتي الخامسة مساء‏,‏ ودفع بمجموعات من الدبابات والعربات المدرعة في اتجاه الحد الأمامي للقوات‏,‏ ووصلت الي مسافات تتراوح ما بين‏1000‏ و‏1500‏ متر‏,‏ وجرت اشتباكات هنا وهناك‏.‏
قوات أمريكية ـ سوفيتية
ولم يتوقف العدو عن أعماله القتالية برغم الموعد الجديد لوقف اطلاق النار‏.‏
ونتيجة لتجاهل العدو لقراري وقف اطلاق النار‏,‏ أصدر الرئيس السادات بعد ظهر يوم‏24‏ اكتوبر تعليمات الي الدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية الموجود في نيويورك بالآتي‏:‏
‏1‏ ـ يطلب عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن للنظر في استمرار اسرائيل في انتهاك القرارين اللذين أصدرهما مجلس الأمن يومي‏22‏ و‏23‏ أكتوبر بوقف اطلاق النار‏.‏
‏2‏ ـ يطلب من المجلس دعوة كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي‏,‏ بارسال قوات فورا من تلك الموجودة لهما بالقرب من المنطقة للاشراف علي التزام اسرائيل بوقف اطلاق النار وضمان سريانه واحترامه‏.‏
وقد اتخذ الرئيس السادات ما رآه واجبا عليه تجاه وطنه خلال هذه المرحلة‏,‏ خاصة أن القوات المسلحة قد فقدت الكثير من الأسلحة والمعدات‏,‏ وأصبحت أسلحة كثيرة تعاني من نقص في الذخيرة وقطع الغيار‏,‏ وليس هناك أمل في سرعة تلبية هذه الاحتياجات من جانب الاتحاد السوفيتي‏.‏
ومن المواقف الطريفة‏,‏ طلبت مصر من الروس سرعة تزويدها باطارات كاوتشوك للطائرات المقاتلة فتلقت بدلا من الاطارات أحذية من الكاوتشوك‏,‏ والأكثر طرافة أنها كلها للقدم اليسري فقط‏.‏
وكان السادات يدرك حقيقة الموقف‏,‏ فالقوات الموجودة غرب القناة خلال تلك الفترة كانت محدودة‏,‏ في حين ضاعف العدو من حجم قواته غرب القناة بهدف تحقيق انجاز عسكري كبير يشوه به ما حققته مصر من انتصار ويسترد به بعضا مما فقدته اسرائيل‏,‏ ليس ذلك فقط‏,‏ بل ان القوات المصرية بدأت تعاني بشدة من نقص الذخيرة وقطع الغيار ولم يكن هناك مصدر لاستعواض الأسلحة التي خسرتها خاصة الدبابات‏.‏
وعندما ناشد السادات القوتين العظميين بسرعة ارسال قوات لفرض قبول اسرائيل وقف اطلاق النار‏,‏ ومن القوات الموجودة بالقرب من المنطقة‏,‏ كان يعلن في الوقت نفسه عن المحنة التي يعيشها ويدرك أبعادها‏.‏
وصباح يوم‏25‏ اكتوبر يجتمع مجلس الأمن ويصدر القرار رقم‏340‏ بإنشاء قوة طواريء دولية وايفادها فورا الي المنطقة‏.‏
وليلة‏25‏ ـ‏26‏ اكتوبر أصدر مجلس الأمن أمرا رسميا بتشكيل قوة طواريء من‏7‏ آلاف رجل بقيادة انزيو سيلاسفو‏,‏ مع سحب‏900‏ فرد من قوة الطواريء الموجودة بقبرص وتحريكها فورا الي السويس‏.‏
وخلال أزمة وقف اطلاق النار‏,‏ اعلن بريجنيف موافقة الاتحاد السوفيتي علي ارسال قوات سوفيتية ـ أمريكية الي مصر‏,‏ وهدد الولايات المتحدة بأنها اذا لم توافق علي ارسال قواتها فسيتصرف السوفيت بشكل منفرد‏.‏
مواجهة نووية
وللتأكيد علي جدية السوفيت‏,‏ بدأت‏8‏ طائرات نقل سوفيتية عملاقة من طراز انتينوف ـ‏22‏ في الاستعداد للاقلاع من العاصمة المجرية بودابست الي القاهرة‏,‏ وقدر الأمريكيون ان السوفيت يمكنهم ارسال‏5‏ آلاف جندي الي مصر يوميا‏.‏
ورد الأمريكيون بإصدار أمر للفرقة‏82‏ المحمولة جوا بالاستعداد للتحرك‏,‏ بالاضافة الي ابحار عدد من حاملات الطائرات للانضمام الي الاسطول السادس في البحر المتوسط‏,‏ والأهم إعلان حالة التأهب في جميع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم‏,‏ ورفع الاستعداد الي الدرجة الثالثة وتم ابلاغ قيادة حلف الاطلنطي بأمر الاستعداد الأمريكي للقتال‏,‏ وفجر يوم‏25‏ اكتوبر‏,‏ كان الموقف بين القوتين العظميين يتصاعد الي أن وصل الي حافة المواجهة النووية‏.‏
قبول إسرائيلي
وفرض الموقف العالمي علي اسرائيل القبول بوقف اطلاق النار‏,‏ وبالتالي توقفت محاولات اسرائيل الجديدة لاقتحام السويس بعد تدميرها بالغارات الجوية‏.‏
كانت خشية اسرائيل من استفزاز العالم في ظل هذه المواجهة النووية أكبر من مخططاتها الخاصة بمدينة السويس‏.‏
وتم وضع قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار موضع التنفيذ يوم‏27‏ اكتوبر‏,‏ وعند ظهر يوم‏28‏ اكتوبر وصلت طلائع قوة الطواريء الدولية الي السويس وبدأ القائد في توزيع دوريات من جنوده علي قطاعات المدينة‏.‏
وتجاهل مراقبو الأمم المتحدة استغلال اسرائيل للموقف والتقدم لاحتلال مناطق جديدة‏,‏ منها‏:‏ نقطة الهويس ومساحة من كفر جودة‏,‏ وعمارتان بمنطقة المثلث واستراحة الري علي طريق الزيتية‏.‏
ولما كانت السويس قد استقبلت المئات من الجنود الذين هجروا وحداتهم ومواقعهم تحت ضغط النيران الاسرائيلي‏,‏ فقد كان المطلوب فرض النظام والانضباط عليهم‏,‏ وقد تمكن العميد أمين الكنزي بكفاءته وحزمه من تحقيق ذلك‏.‏
واذا كان صمود السويس صفحة من صفحات المجد في التاريخ المصري‏,‏ فإن قدرة أهلها علي العيش في ظل الحصار بمزيج هائل من الصبر والصلابة والاحتمال والتعاون والتكافل‏,‏ تشكل صفحة مضيئة‏,‏ وطوال هذه الفترة عاشت المدينة كدولة مستقلة ادارت أمورها وحياتها بكفاءة‏,‏ فالمدينة وقعت تحت الحصار اعتبارا من يوم‏23‏ اكتوبر لأول مرة في تاريخها الطويل‏,‏ ولم تبدأ الامدادات في الوصول الي السويس إلا يوم‏11‏ نوفمبر‏1973.‏
ويوم‏28‏ يناير‏1974,‏ انتهت فترة الحصار عن المدينة العظيمة‏,‏ بعد انسحاب القوات الاسرائيلية كنتيجة لتوقيع اتفاقية الفصل الأولي بين القوات يوم‏18‏يناير1974.


ان ما حدث قد كان له اثر بالغ فى نصر اكتوبر وفى مايلى نص

كلمة الرئيس أنور السادات، فى مؤتمر شعبي أقيم فى مدينة السويس ، بمناسبة زيارة الرئيس للقناة، 4/ 6/ 1974
المصدر: الأهرام، القاهرة، 5/ 6/ 1974 "

بسم الله

ان مدينة السويس الباسلة لم تحارب سنة 67 وسنة 73 فقط. ولكنها حاربت طوال هذه المدة بغير انقطاع .. لقد كانت السويس طوال أكثر من 6 سنوات هى الهدف السهل بالنسبة للعدو فلم يكف لحظة عن ضربها، ومهاجمتها والحاق الدمار بها سواء خلال المعارك ،أو كلما أراد أن ينفس عن نفسه فيصب جام غضبه عليها، وقد استفاد العدو فى هذا المجال من مزايا الموقع الجغرافى التى سهلت له اقامة مدفعيته البعيدة المدى فى مكان يستطيع أن يضرب منه وهو آمن، فلم يكف عن ضرب السويس وبورتوفيق كلما شاء أن يلحق بنا ضررا ماديا أو معنويا حتى بلغت نسبة الدمار هنا فى السويس درجة لم تصل اليها فى أى مدينه أخرى من مدن القنال.. لقد رأى العدو فى السويس أحدى القلاع الصناعية الحديثة التى أقامتها الثورة بالعديد من المصانع الضخمة فأراد أن يدمرها اقتصاديا. وظن العدو أن سكانها سوف يظلون رهينة فى يده. يرهبنا بضربهم ويؤثر فى الروح المعنوية للشعب كله عن طريق القتل والتدمير. وحين اتخذنا ذلك القرار الصعب باجلاء سكان السويس ومدن القناة لم يكن هذا القرار قرار انسحاب، بل كان قرار مواجهة. كان قرارا معناه تحويل هذه المدن العزيزة الى ساحة قتال، كان قرارا معناه اننا نرفض الرضوخ واننا سنواصل الحرب وان شعبنا لن يبخل فى هذا المجال بأى تضحية أو مشقة.. على أن مدينتكم الباسلة عرفت أعظم أيام حياتها عندما تسللت قواته خلال حرب أكتوبر الى الضفة الغربية ثم أستغلت وقف اطلاق النار لكى تنتشر فى أوسع دائرة ممكنة ولكن الجائزة الكبرى التى كان العدو يريد الحصول عليها من تسلله كانت مدينتكم.. كان العدو يريد أن يحصل على السويس بأى ثمن ومهما بذل من تضحيات.. كان العدو يرى أن استيلاءه على السويس باسمها الكبير فى العالم هو العمل الوحيد الذى يمكن أن يرد لقواته اعتبارها ويحجب عن العالم حجم هزيمته وحجم انتصارنا، ولقد كانت الأوامر الصادرة الى قواتهم ان يستولوا على السويس بأى ثمن.. هجموا عليها بكل ما نعرفه لهم من مدفعية وطائرات ودبابات.. وعندما وصلوا الى مشارفها أرادوا أن يسبقوا الزمن فأعلنوا رسميا احتلالهم لها وظنوا فى احدى اللحظات أن احتلالهم فعلا ليس الا مسألة ساعات، لم يتوقعوا أبدا أن يواجهوا ما واجهوا.. لم يتوقعوا أبدا أن تكون أوامرنا أيضا هى منع استيلائهم عليها مهما كان الثمن.

وأن يكون تصميمنا على هذا كفيلا بأن حطم تصميمهم وغرورهم.. لم يتوقعوا أن يحدث ذلك الالتحام التاريخى بين القوات المسلحة وقوات الشرطة وجماهير الشعب فى مقاومة شرسة وعنيدة وفى استعداد للاستشهاد لا مثيل لها.. كان هذا هو امتحانهم الأول ليس مع الصحراوات المفتوحة، ولكن مع أرضنا المسكونة وشعبنا العريق، وها هو العالم يرى كيف تحولت مداخل السويس الى مقبرة لدباباتهم وجنودهم وكيف تكسرت هجماتهم الواحدة تلو الأخرى على صخرة الارادة الوطنية التى لا تلين. وكيف أنبت الشارع المصرى بطولات كاملة فى أعماقه أظهرتها ساعات الامتحان التاريخى. ان ملحمة السويس الخالدة سوف ترويها الكتب والأبحاث وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.. ان مدينة السويس لم تدافع عن نفسها فقط.. ولكنها كانت تعبر عن بطولة كل مدينة وكل قرية فى ارض مصر وكانت تعرف أنها تحمل فى عنقها اسم الشعب المصرى كله.

يوم 24 أكتوبر.. عيد قومى لمصر

من أجل هذا فان دين كل مدينة وكل قرية فى مصر نحو مدينة السويس دين لا ينسى ولابد من الوفاء به، لقد طلب أمين الاتحاد الاشتراكى أن يكون يوم 24 عيدا قوميا للسويس وأنا أقول أن يوم 24 أكتوبر عيد قومى لمصر وسيجرى الاحتفال به فى كل أنحاء مصر وستعطل دوائر الدولة فيه كعيد من الأعياد الرسمية.

واليوم.. أيها الأخوة والأخوات. وأنا أبحث مع النائب الأول مشاكل العودة، مشاكل تسهيل أموركم وعودتكم. فقد اتخذت قرارات أرجو ان تنال قبولكم وسيتلوها عليكم الآن الدكتور حجازى وبعدها سأعود الى الحديث معكم.

كان بودى أن أستجيب لكل طلباتكم وأن أعيد المهجرين فى 24 ساعة. كان بودى ولكن زي ما قلت لكم في ورقة أكتوبر معركة التعمير لا تقل صعوبة عن المعركة، معركة العبور اللي إحنا عملناها لازم كلنا بقدر ما نستطيع نتحمل وفي مرحلة من المراحل نستطيع أن نعمل تيسيرات فيها بنعمل تيسيرات علشان نبني بناء سليم وعلى أساس سليم.

بالنسبة لعودة المهجرين أنا معكم تماماً في ضرورة سرعة العودة وأنا باقول هذا الكلام وسامعنى المهندس عثمان وعلى ذلك أنا باحدد تاريخ وهو آخر هذا العام اخر 74 على أن تشتركوا كلكم وياه علشان ننجز هذه المهمة وتعود السويس إلى حالتها الطبيعية ويعود أهل السويس إلى مدينتهم لأنى أعرف تمامآ تعلق أهل السويس بالسويس وتعلقي أنا شخصيآ بالسويس.

أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يرعى خطانا حتى نتم تحرير أرضنا فالمعركة لم تنته بعد لازلنا في المعركة. لازلنا فى المعركة. المعركة لم تنته بعد ولكن سنسير هي المعركتين معآ، فى التحرير وفي التعمير، وفقكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله.






الخاتمة

اثبتت المقاومة الشعبية اننا نستطيع ان نفعل اى شىء عندما نريد حتى لو حسبنا انه من المستحيلات .

لو طبقنا تلك الروح والعزيمة فى شتى مجالات الحياة لتقدمنا .

ان الرجال الذين يملكون الارادة هم من يملكون القدرة على تغيير التاريخ لصالحهم وفرد ارائهم على العالم اجمع.

يجب ان نعد جيشنا وقواتنا الاعداد الامكن لكى نامن مكر اعدائنا ونحافظ على امن الوطن وسلامة اراضيه.

ان لاهالى محافظات القناة دين كبير فى رقبة جميع المصريين حيث تحملوا الكثير من اجل هذا الوطن وتقدمه.

الكتب والمراجع:


1-قصة السويس اخر المعارك فى حرب العمالقة محمد حسنين هيكل.

2-الوجه الاخر للميداليه د\يحى الشاعر.

3-البحث عن الذات الرئيس السادات.

4-مذكرات حرب اكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلى.

5-مذكرات الجمسى.

6-حرب السويس بعد اربعين عام مركز الدراسات السياسية.

1 comment:

احمد بن شوقى said...

شكراً جداً،جزاك الله خير .